تذكرون قصة السمكات الثلاث التي كانت تسبح في بركة تفتح على النهر؟ وهذه البركة لها فتحة واحدة على هذا النهر، وكل يوم تأتي هذه السمكات إلى البركة للتمتع بالأعشاب اللذيذة والبعيدة عن متناول بقية سمك النهر، وأيضاً ليس بهذه البركة تيارات مائية مزعجة تجرفها بعيداً عن "مرتعها". البركة مكان "صاد" ومحمي أيضاً وممنوع دخوله على الآخرين، تتعاقب الأيام والفصول وهذه السمكات "ما حولها أحد"، وبقية الشعب السمكي يصارع التيارات ويتعرض للصيد ويفيض به النهر وتفتك به الأمراض، ويصيبه الهزال، وتتقلص رعايته الاجتماعية والصحية وحتى الخدمية. في يوم من الأيام مر صياد متمرس و"ما يغشمر"، ونظر إلى البركة فوجد هذا الصيد الرائع وأعجب بالسمكات، وقال بصوت واضح سمعته السمكات: غداً سآتي من الفجر وأصيد هذه السمكات. دبّ الرعب وصار الهلع وسادت الفوضى، ولم تصدق السمكات أن هذا "البشر" والفقير سيتجرأ بشباكه البالية عليها، إنها حالة من عدم التصديق يرافقها الغرور الذي نشأت عليه هذه النوعية من الأسماك. وبينما السمكات في حالة الفوضى تلك قامت إحداهن وبلا تردد واتجهت إلى المخرج دون أن تعقّب، وقبل الخروج قالت لهن: "اللي تبي السلامة تلحقني، سأنضم لساير الأسماك، يكفي ما تمتعت به، لن أعرض نفسي للإهانة والخطر... تعرفون تليفوني... دقوا علي... مع السلامة". الاثنتان الأخريان قضتا الليلة تحسبان الخسائر والأرباح، وتتعجبان من وقاحة الصياد وجرأته، و"تتمقلان" في مملكتهما التي ورثتاها كابرا عن كابر (في خيالهما طبعا). ومع "شقة النور"... لف الفقير بما يشبه الشباك، ووضعها على ضفة البركة وذهب للفتحة "مالت النحشه" وأغلقها، وضع قوانينه وفعّل دستوره وسار في طريق الحق الأزلي الذي يسمح له بصيد الأسماك بلا تثريب. أخذ يرمي بالشباك تارة إثر أخرى علّه يصيد "عشاء الأولاد"، متمرس وجاد ويعلم أن هذا حقه الطبيعي، وعقد النية على عدم العودة بلا... سمكتين. وقبل احتفال الصياد بغنيمته وإنهاء حفلة المطاردة والاستحواذ على حقه الذي خطط له وسهر يفكر فيه، وبذل جهده ليحظى به، فإذا بالمفاجأة... غافله أحدهم بشيء يسمى "مشعاب"، والمشعاب لمن لا يعرفه عصا غليظة لها من الفاعلية ما يفوق البوكس بكثير وما هو أقل من المسدس بقليل... وما هي إلا ضربة واحدة حتى جعلت الصياد "يتشحط" بدمائه ويحضن التراب بكلتا يديه يعض عليه بفكه، والأهم أنها خلصت السمكتين من أفواه عياله "اللي مو كفوووو".
Ad