وأخيراً صدر الحكم بالسجن ٢١ سنة على أندريه بريفيك النرويجي، أحد رموز الكراهية والعنصرية في التاريخ البشري، حيث قام بقتل ٧٧ شخصاً في الصيف الماضي. الكراهية التي يحملها بريفيك دفعته إلى أن يحطم الرقم القياسي لأكبر حادثة قتل جماعي من فرد في التاريخ الحديث.
منذ عدة أشهر استضفت في إحدى محاضراتي بالجامعة الصديق الدكتور كيتل سيفن الأستاذ في جامعة أوسلو أثناء زيارته الكويت، لكي يتحدث للطلاب عن كيفية تعامل المجتمع النرويجي المتعايش ودياً والمسالم مع حادث مروع بحجم الفعلة التي قام بها بريفيك.كان كيتل يتحدث شاعراً بالحرج، ليقول بأن الصدمة كانت علينا كنرويجيين أكبر من الاحتمال، فمن أين خرج علينا بريفيك بهذه الكراهية، وأسقطنا في صدام مع ذاتنا التي كنا نظن أنها استقرت على مبادئ راسخة في التعايش لنكتشف أننا بحاجة إلى مزيد من البحث عن الذات؟ بريفيك من جانبه لم يعتذر ولم ينكر ما قام به، بل أوضح أن فعلته تلك هي للاحتجاج على سياسة الاندماج والتنوع الثقافي التي تدفع بها حكومة حزب العمل اليسارية، وبالذات تشجيعها على قبول هجرة المسلمين وتدمير "الأصالة النرويجية" هكذا. بل إن بريفيك أعلن أنه لن يستأنف الحكم ولن يعترض عليه لكي تصل رسالته السياسية.وعبثاً حاول الدفاع أن يلصق ببريفيك صفة الجنون، فحسم القاضي المسألة بأن بريفيك إنما فعل فعلته وهو مدرك ومخطِّط لها بكل وعي. ربما كان البعض في المجتمع النرويجي المسالم يود أن يُحكَم على بريفيك بالجنون، لكي يخرجوا من الصدمة التي نقلهم إليها، ولكن هيئة القضاء أبت إلا أن تجعل المجتمع يواجه مأساته بواقعية وألا يهرب منها.بريفيك برمته كان فعلاً شاذاً تكاتف المجتمع النرويجي للرد عليه، بل إنهم، في الاجتماع الكبير بعد المذبحة في قلب أوسلو، أصروا على جعل المسلمين النرويجيين في الصدارة والتمسك بهم كمواطنين نرويجيين.قد تبدو مسألة محاصرة الكراهية سهلة، ولكنها تصبح أصعب إن كانت نخب المجتمع، بحكومته ومعتوهيه وانتهازييه وحتى من يقال إنهم عقلاء، يتحينون الفرص لإثارة الكراهية لمكاسب انتخابية أو مادية معلومة أو حتى على سبيل قضاء وقت الفراغ، وكأن بث الكراهية أصبح من الهوايات المتأصلة لدى البعض، فإن كان الشعب النرويجي قد شعر بالصدمة من جريمة بريفيك ويسعى جاهداً إلى محاصرة الكراهية عن طريق المزيد من العدالة وتكثيف برامج التعايش الثقافي التعددي، فإن مَن بيدهم الأمر، حكومة ونخباً، يحاصروننا بخطاب الكراهية، فمتى يعي الناس خطورة الانغماس في خطاب الكراهية، والذي لن تبقي نتائجه ولن تذر؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخر كلام
محاصرة الكراهية
27-08-2012