وما زالوا يريدونها خمساً!
إن كان من درس أو دروس نتعلمها من متابعة أحداث «نبيها خمس» فهو أن النوايا الحسنة لا تكفي، وأن الحماس وحده لا يصنع التغيير، وأن العاطفة تجنح بمن يتبعها للطريق الخاطئ، وأن الجماهير لا تجتمع دوما على الصواب، وأن من يتبع عقله، ويتبين واقعه، ويتعظ من تجارب الآخرين يجد دوما نفسه في مأمن من عواقب الانفعال والتسرع والاستعجال.
على موقع اليوتيوب شاهدت قبل أيام مقطعا بعنوان "نبيها خمس" وهو يحكي بالصوت والصورة أحداث الفترة التي تم فيها إرضاخ الحكومة لمطالب التجمعات الشبابية مسنودة من قبل 29 نائبا لتحويل الدوائر الانتخابية من 25 إلى خمس بهدف القضاء على التعصب القبلي والديني والفئوي، ولأجل مخرجات أفضل للعملية الانتخابية، ولو شاهد أحد منكم كما شاهدت تلك الصيحات الهادرة والوجوه الغاضبة لما شعر بفارق كبير بينها وبين الوجوه التي تجتمع بين الفينة والأخرى في ساحة الإرادة تدعو لرحيل هذا أو ذاك من المسؤولين وتطالب بالإصلاحات السياسية والقضاء على الفساد، وفي الحالتين، ستشعر أن هناك صدقا "شبابيا" يصاحبه تمصلح سياسي من قبل بعض النواب الذين يسايرون كل موجة بحثا عن مكسب انتخابي، وتسجيل موقف بطولي دون النظر لأي اعتبارات أخرى، إن كانت خطأ أو صوابا!وقد شعرت بالشفقة وأنا أتابع المشاهد المؤثرة لتجمعات "نبيها خمس" على أولئك الشباب الذين حسبوا- في ذلك الوقت- أنهم يحسنون صنعا، فإذا بالأيام تنبئهم بأنهم لو أبقوا على الدوائر الخمس والعشرين لكانت حال البلد أفضل وأرحم، لأن العبرة ليست بالمسمى ولا الشكل الخارجي بل بالمحتوى والمضمون، فالحكومة استجابت "شكليا" لتلك المطالب لكنها بالمضمون نفذت أمرا يدور برأسها، ولسان حالها يقول: تريدون "الدوائر خمس"؟ فليكن لكم ما تريدون، لكن على مزاجي وكما أريد! لذلك، جاءت تقسيمة الدوائر الخمس مكرسة للطائفية والقبيلة والفئوية بشكل أكثر حدة من السابق، لنجد أنفسنا أمام مجلس قبيضة– كما زعموا- ثم أمام مجلس أغلبية إلغائية لا تسمتع سوى لصوتها ولا تؤمن إلا برأيها، وتحولت قاعة عبدالله السالم على أيديهم إلى حلبة ملاكمة جمعت نزالاتها كل طائفي وعنصري يريد القضاء على خصومه بأي شكل من الأشكال، لا تنتهي جولة حتى تبدأ أخرى وسط ذهول الجميع، وأولهم ناخبوهم الذين صوتوا لهم!وإن كان من درس أو دروس نتعلمها من متابعة أحداث "نبيها خمس" فهو أن النوايا الحسنة لا تكفي، وأن الحماس وحده لا يصنع التغيير، وأن العاطفة تجنح بمن يتبعها للطريق الخاطئ، وأن الجماهير لا تجتمع دوما على الصواب، وأن من يتبع عقله، ويتبين واقعه، ويتعظ من تجارب الآخرين يجد دوما نفسه في مأمن من عواقب الانفعال والتسرع والاستعجال، وما حدث في تلك الفترة من هبة عاطفية نراه اليوم يتكرر في دعوات نواب الأغلبية المبطلة بالنزول إلى الشارع لا لشيء سوى ضمان استمرارية نوابها الذين أتى بهم قانون غيرعادل وجائر لا يساوي بين المواطنين ويقسمهم فرقا متناحرة متصادمة مذهبيا وفئويا وقبليا، فيا للعجب! كيف لم يستوعب بعض التجمعات الشبابية الدرس من انفعالية المطالبة بالدوائر الخمس، وكيف كانت آثارها سلبية لأنها افتقدت الحكمة والروية والنظر إلى الواقع بعين خبيرة، لنجني ثمارها حنظلا مرا، مؤسف أننا نصر على تكرار نفس الخطأ ثم نتوقع نتائج مغايرة!***تصريحات النائبين وليد الطبطبائي وخالد السلطان في الآونة الأخيرة والتي حملت اتهاما وتشكيكا للشيعة بعدم الولاء وبجمع السلاح تجعلنا على قناعة أكبر في أن أغلبية 2012 النيابية يسيطر على معظم نوابها التشدد الديني والتعصب الطائفي، ولا أدل على ذلك من تعاملهم مع النائب السابق حسن جوهر الذي صاحبهم في كل المواقف بمجلس 2009 وكان جزءاً من الحراك الذي قادوه في ذلك الوقت، وقد كان من الواجب دعوته لاجتماعاتهم واعتباره واحداً من أبرز ممثليهم في الانتخابات القادمة بدل إقصائه، فهو النائب الشيعي الوحيد الذي لم يكترث للأصوات التي حاولت أن تثنيه عن مواقفه وضحى بالمكاسب الانتخابية في سبيل قناعاته، وهو النائب الوحيد الذي كان صوت المواطن الكويتي سنياً كان أو شيعيا، فلا فرق عنده لأنه كبير، والكبار لا يكترثون للصغائر أبداً!