العراقيون حالة خاصة
الأكراد في المعادلة السياسية العراقية لهم وضع خاص، إما بسبب ثقافتهم ولغتهم المختلفة، وإما بسبب تجربتهم السياسية الديمقراطية الرائدة التي تعود إلى عام 1992 عندما شكلوا حكومة وبرلماناً منتخبين على إثر انسحاب الحكومة المركزية من مناطقهم، وقد تكمن خصوصيتهم في التوصية التي رفعتها عصبة الأمم «الأمم المتحدة الحالية» عند إلحاق كردستان بالدولة العراقية عام 1924 من قبل بريطانيا العظمى، والتي تقضي بضرورة مراعاة الدولة العراقية لخصوصيتهم القومية وعدم فرض سياسات معينة عليهم، وإعطائهم الحرية لاختيار حكامهم بأنفسهم، وإشراكهم في إدارة البلاد.هذه الحقوق والامتيازات وضعتها الأمم المتحدة كشرط لتشكيل الدولة العراقية، ولكن مع الأسف لم تعر الحكومات العراقية المتعاقبة أهمية لهذه الحقوق، ولم تلتزم بها أبدا، مما أدى إلى حدوث توتر دائم بين الشعبين المتعايشين العربي والكردي.
أعتقد أن كل المأساة التي مرت على العراقيين من حروب دموية كانت بسبب تجاهل الحكومات العراقية المتعاقبة لهذه الحقيقة «حقيقة أن للأكراد وضعا خاصا»، ومحاولة إملاء السياسات القمعية على الشعب الكردي بالقوة الغاشمة... وكما توجد للأكراد خصوصية وفوارق ثقافية ولغوية وطائفية ومناطقية بالنسبة إلى المكونين الآخرين الشيعة والسنة، فهما أيضا يتميزان بخصائص فريدة ليس بالنسبة إلى الأكراد فحسب، بل بالنسبة إلى نفس الطائفتين في الوطن العربي. فالطائفة السنية «السياسية منها على وجه الخصوص» في العراق تختلف عن قريناتها في العالم الإسلامي، بأمور جوهرية، من أهمها أنها تمزج الإسلام بالقومية العربية، ترفع راية الإسلام بجانب راية العروبة «جانبها الشوفيني»، تدعو إلى الإسلام بنفس دعوتها إلى الفكر القومي، وتعمل على نشر الدين الحنيف والدعوة إليه لكنها أيضا تنشر ثقافة التعريب في المناطق الكردية، وتدعو إلى العدالة والمساواة وألا فرق بين العربي والأعجمي في الإسلام، لكن عندما ترشح شخصية كردية لتتولى منصب رئيس جمهورية العراق، تقيم الدنيا ولا تقعدها احتجاجا على كردي لبلد عربي «فكيف يجوز لكردي أن يحكم بلدا عربيا؟»، هذه الظاهرة «أي خلط الدين بالشوفينية العربية» لا يمكن أن نراها في أي بلد إسلامي آخر.وكما أن المجتمع السني في العراق يختلف عن المجتمعات السنية في البلدان الأخرى كذلك الأمر بالنسبة إلى الأكراد فيما بينهم، يتميز الشيعة أيضا عن إخوانهم الموجودين في البلدان الإسلامية الأخرى، فهم بحكم قربهم من مراقد الأئمة واحتضانهم للمراجع «العظام» يعتبرون أكثر تشددا ومغالاة في مبادئ طائفتهم، وأكثر تعلقا بها، فهم مبتكرو معظم الشعائر والطقوس الشيعية الحالية كركضة الطويريج، والمشي على الأقدام لمسافة طويلة جدا من أجل زيارة مراقد الأئمة، وضرب السلاسل على الأجسام، والتطبير وغيرها من الشعائر التي أخذت طريقها الى المجتمعات الشيعية الأخرى.الخصائص التي يتفرد بها الإنسان العراقي بشكل عام بحاجة إلى دراسة وافية ومستفيضة، لتكوين صورة واقعية عنه، والإلمام بجوانبها النفسية والاجتماعية وأبعادها السياسية، تجنباً لأي سوء فهم قد يخلف وراءه ردود فعل غير محسوبة، كما فوجئ العالم بغزو العراق للكويت عام 1991 دون سابق إنذار.* كاتب عراقي