هكذا يريدونكم
الجزيرة العربية أرض العجائب وأهلها أهم من يميزها، لديهم تقاليد غريبة وأفعال طريفة تجعلهم الوحيدين في هذا العالم الذين يتفوقون فيها ويتفننون في حكمها والسيطرة عليها. فالملكة تفوقت على جيمس بوند وقفزت في الحفل الأسطوري، وأوباما ينافس رومني بالتملق لإسرائيل والوعيد لمن يحاول رش "فليت" باتجاهها، وأربع دول أوروبية تتهاوى للقاع وتترنح أمام الفقر والإفلاس، وإيران ترفض التدخل في سورية وترسل "أوباش" حزب الله من الباب الخلفي للشام، والهند تستعد للتربع الإلكتروني على عرش آسيا، ومسلمو بنغلاديش يطردون إخوانهم مسلمي بورما خلف الحدود ليتلقاهم الهندوس بأخاديد النار، وشبه مجلس تعاون أميركي جنوبي يكاد ينشأ هناك. وهكذا تطورات تحدث حول جزيرة العرب وهم يقومون بتطوير أهم ما يمكن أن يجيدوه؛ إنها تربية "الحلال" والتنافس على امتلاك أفضل السلالات، ولكن هناك اختلافات وتباينات لا تقلل من أهمية العملية وجسامتها. ففي شرق الجزيرة ينصب الاهتمام على "الإبل الحمر" ذات القوام الممشوق والأقدام الدقيقة والصدر العريض والخف الصغير، بينما يتفوق أهل الوسط في "المجاهيم" ذات الألوان السوداء والأجسام الراهية والوجوه العريضة و"البراطم" المتدلية. وفي أماكن أخرى من الجزيرة تظهر الخيل العربية الأصيلة ذات الجمال الآسر والحركة المتناسقة والتسابق الجميل مع الريح، أما في الشمال فغنم "النعيم" و"النجد" فهي صاحبة الحظوة بأصوافها الكثة و"خشومها" المتقعرة وأعوادها الجليلة ورقابها الطويلة. يسعد كثيرا "ملاك" هذه الحيوانات بوجودها تحت أيديهم يقومون بتسمينها وتغذيتها بالشكل الذي يرونه لا الذي تحتاجه، هذه البهائم لا يحق لها الاعتراض أو حتى التبرم بينها، فهي مملوكة ومحصورة في جاخور السيد، ومما يجعل تربية هذه المخلوقات مهمة سهلة هو أنها "عجماوات" أي لا تصدر أصواتا حتى عندما تتألم أو تشرف على الموت، مجرد أنين لا يسمعه غيرها، وإذا حدث وأحس "المالك" بوضعها الصحي المتردي فبيده فقط أن يقرر معالجتها إذا كانت "تسوى" العلاج أو سحبها خارج الزريبة وهي حية، وإلقاءها بعيدا عنه... لا يريدها. الفريد في الأمر أن لدى المالك تمييزاً بين "حيواناته" فهناك "النخبة"، ويأتي بعدها "النقوة"... وتتناقص الأهمية حتى تصل إلى بهيمة لا تساوي لديه شيئاً يمكن أن يبيعها متى شاء بأي ثمن شاء. وبالمناسبة فقرار تنقل الحلال ليس بيده فبمجرد إشارة من "المالك" يتم التنقل من جاخور لآخر أو حتى للصحراء. ما يحصل حول "الملاك" في العالم المحيط كأنه لا يعنيهم بالرغم من أن أكثرهم يحمل أجهزة الاتصال الذكية ولديه حسابات عدة في برامج التواصل الاجتماعي، وأيضا لديهم من الأصدقاء الذين يشيرون عليهم ويقدمون النصائح مقابل المال والهدايا. لا يعلم الإخوة "الملاك" أن لديهم معضلتين تحتاج كل منهما إلى قليل من التدبر: الأولى هي أن هذه الهواية ليست معروفة حولهم، فقط في الجزيرة، وأنها غير مجدية إطلاقا، فقد جربها غيرهم وعادت عليه بالوبال والنهاية المأساوية، فأصحاب الصنف قليل والبضاعة ليس لها سوق خارج "جواخيرهم". الثانية هي أن هؤلاء الملاك قد اختلط عليهم الأمر فليس من المعروف هل تعلموا تربية الحيوانات من خلال تعاملهم من البشر أو أن تعاملهم مع البشر قادهم إلى هذا الأسلوب في تربية حيواناتهم... عفوا عفوا "حلالهم".