العنوان هو عنوان مقالنا في هذه الزاوية في يناير 2009، وهو السؤال الذي يتردد هذه الأيام على لسان كل حريص على المال العام، لهذا أستميحكم عذراً في إعادة بعض فقرات ذلك المقال لعله يعيد للأذهان بعض المعلومات ويزيل بعض الغموض حول ما جرى آنذاك... "في أواخر ديسمبر الماضي (2008) أحال مجلس الوزراء صفقة "كي داو" للمجلس الأعلى للبترول مطالباً إياه بإلغائها بعد أن شغلت الرأي العام في جدل طويل عريض ينقصه، في الغالب، الكثير من المعلومات الفنية المتعلقة بهذه الصفقة المليارية وبعد أن أعلن "التكتل الشعبي" استجوابه لرئيس الوزراء إن لم يتم إلغاء الصفقة قبل بداية سريان العقد 2 يناير 2009.

Ad

وقد عزا مجلس الوزراء طلبه من المجلس الأعلى للبترول إلغاء الصفقة إلى "المحذور المتعلق بالمتغيرات الهائلة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، التي صاحبها انخفاض شديد في أسعار البترول، وفي انخفاض الطلب عليه وتداعيات الأزمة الاقتصادية التي لا يمكن التنبؤ بكل آثارها"، وهو ما وافق عليه المجلس الأعلى للبترول رغم أنه لم يمض على إقراره لهذه الصفقة سوى بضعة أسابيع (في 24 نوفمبر 2008) أي أثناء "المتغيرات الهائلة التي يشهدها الاقتصاد العالمي" وفي عز الانخفاض الشديد في أسعار النفط، فما الذي حصل يا ترى؟

الاحتمال الأول: هو أن المجلس الأعلى للبترول ووزير النفط ومؤسسة البترول والشركات التابعة لها يجهلون المتغيرات الهائلة التي يشهدها الاقتصاد العالمي مما حدا بمجلس الوزراء لتنبيههم لها وإلغاء الصفقة، وهذا يتطلب تحديد مدى كفاءة هذه الأجهزة بإدارة ثروتنا النفطية.

الاحتمال الثاني: هو أنهم يدركون ذلك لكنهم وبالرغم من ذلك قدموا معلومات غير صحيحة ومضللة.

الاحتمال الثالث: هو أن مؤسسة البترول والمجلس الأعلى للبترول قد اجتهدا لتقديم مشروع نفطي استثماري ناجح سيعمل مستقبلا على تنويع مصادر الدخل لكن أُلغي لأسباب سياسية يقدرها مجلس الورزاء كونه صاحب القرار النهائي بهذا الشأن.

وفي نهاية المقال طالبنا بتشكيل لجنة تحقيق محايدة لمعرفة ماذا حصل بالضبط؟ لكن للأسف لم يحصل ذلك!

والآن وقد تجدد الحديث عن صفقة "داو" بعد أن قررت هيئة تحكيم دولية غرامة جزائية على الكويت تفوق الملياري دولار، فإن السؤال المطروح وبقوة هو من يتحمل المسؤولية؟ هل تتحملها الحكومة أم المجلس خصوصاً كتلة "العمل الشعبي" التي طالبت بإلغاء العقد لمخالفته كما كانت تقول للقوانين والإجراءات المعمول بها؟

بالطبع، فإن المسؤولية تتحملها الحكومة فهي المسؤولة دستورياً عن رسم السياسة العامة وعن تنفيذها، ولو كانت واثقة من صحة إجراءاتها وقراراتها التي تقوم بها أجهزتها الفنية المتخصصة كمؤسسة البترول وشركاتها والمجلس الأعلى للبترول... فلماذا تلغي الصفقة؟

قد يقول قائل إنها ألغتها بسبب ضغط "كتلة العمل الشعبي"، لكن هذا عذر أقبح من ذنب، فهل هناك حكومة في العالم كله خصوصاً الديمقراطي، لا تواجه ضغوطاً متعددة ورهيبة من قوى برلمانية وسياسية واقتصادية وقوى ضغط ومنظمات مجتمع مدني وإعلام ورأي عام، وكل طرف منها يحاول أن يجعل القرار أو السياسة الحكومية لمصلحته؟

لماذا لم يتراجع جورج بوش عن قرار حكومته بقيادة حرب تحرير الكويت بل واجه الرأي العام الرافض للحرب وواجه الكونغرس للتصويت على قرار الحرب حيث نجح القرار بفارق ضئيل من الأصوات؟ ولماذا لم يتراجع مستشار الحكومة السابقة "توني بلير" عن قرار حكومته بالمشاركة في حرب إسقاط صدام عندما كان يواجه معارضة شعبية وبرلمانية شرسة شارك فيها بعض أعضاء حزبه أثناء التصويت في مجلس العموم البريطاني؟

نقول هذا رغم أن صفقة "الداو" كانت قراراً حكومياً خالصاً لم يكن يحتاج إلى قانون أو قرار من مجلس الأمة، بل كل ما هناك أن طرفاً برلمانياً هو "كتلة العمل الشعبي"، قد اعترض على الصفقة ولها الحق كما هو لغيرها بالاعتراض... فلماذا لم تواجهها الحكومة متسلحة بالمعلومات الدقيقة وتدافع عن قرارها أمام الرأي العام؟ وهل جائز من الناحية الأخلاقية أن نبرر تراجع الحكومة عن أي قرار تتخذه بإلقاء اللائمة على طرف برلماني أو شعبي؟! ما هو دور الحكومة وهي المهيمنة على مصالح الدولة (مادة 123 من الدستور) وأين مسؤوليتها إذن؟!

من هنا، فإن المطلوب الآن هو تشكيل لجنة تحقيق محايدة يترتب عليها محاسبة كل من يثبت أن له علاقة من المسؤولين الكبار، سواء بتفويت الفرصة الاستثمارية أو بتحميل الكويت الغرامة الجزائية الباهظة غير المبررة.