هل القضاء مستقل؟

نشر في 24-06-2012
آخر تحديث 24-06-2012 | 00:01
 أ.د. غانم النجار بين القضاء والسياسة خيط رفيع جداً أرفع من أسلاك التنجستن، وحيث إن القانون هو الضابط لجموح السياسة والسياسيين، فإن السياسي، والسياسة بطبيعتها المراوغة "وفنها الممكن"، يسعيان دوماً إلى تطويع القانون والقضاء ليكونا تحت معاييرهما لا تختلف في ذلك حكومة عن معارضة.

وفي مراحل تحوُّل الدول من مطلقة الحكم إلى مؤسسية ديمقراطية، فإن أصعب تأسيس هو لقضاء مستقل نزيه يحكم بالعدل وضمن مبادئ المساواة والمهنية العالية.

ربما يتضح ذلك أكثر في الأزمة الدائرة حالياً، على خلفية قرار المحكمة الدستورية بإلغاء مجلس ٢٠١٢، وإلغاء مرسوم حل مجلس ٢٠٠٩ المفاجئ، والذي أضاف إرباكاً إلى ساحة سياسية مرتبكة أصلاً.

فهل كان حكم المحكمة مفاجئاً؟ وكنت ضمن آخرين قد حذرْنا من المخالفة الدستورية في حل المجلس، إلا أن السياسيين، منهم حكومة ومنهم معارضة، رأوا حينئذ أنه لا بأس من مخالفة الدستور مادام السياسيون قد اتفقوا، فكانت طامة كبرى في الممارسة والنتائج.

وهل القضاء لدينا مستقل؟ أو أنه مستقل حسب أهواء السياسيين وحسب تحقيقه لما يريدون؟ وهل هذه قناعات راسخة لديهم؟ وأن ما يخرجون به علينا بين فترة وأخرى معلنين إشادتهم بالقضاء الشامخ، ليس إلا ذراً للرماد في عيون الحقيقة، وينطبق ذلك على الحكومة وغيرها، مع أنه من المفترض أن يكونوا صادقين مع أنفسهم فيعلنوا موقفاً واضحاً غير مبهم وغير مداهن مغموس بمستلزمات المواءمة السياسية.

قضاؤنا، كما أراه، يعاني اختلالات بحاجة إلى إصلاح على مستوى المهنية والاستقلالية والتداخل مع السلطة التنفيذية، إلا أنه في المقابل وبالمقارنة بالمنطقة العربية فإن لدينا نسبياً قضاء نزيهاً، قادراً على التعامل حتى مع القضايا الكبرى بحيدة لا بأس بها دون إفراط أو تفريط.

ويصبح القضاء أقوى بوجود برلمان قوي غير خاضع لنفوذ الحكومة، تلك هي مواصفات القضاء في مرحلة التحول الديمقراطي، والتي قد تطول أو تقصر حسب الفعالية الاجتماعية. وها نحن في إطار المد والجزر منذ الاستقلال وحتى الآن، ومحاولات السلطة التنفيذية فرض الهيمنة الكاملة على مؤسسات المجتمع بالتزوير تارة (١٩٦٧) أو بالانقلاب على الدستور تارتين (١٩٧٦ و١٩٨٦)، وغير ذلك من محاولات فرض الأمر الواقع، محاولات كلها باءت بالفشل وأرهقت المجتمع وأتعبته، وآن الأوان للتوصل إلى توافق شامل يخرج المجتمع من وضع محتقن طال أمده.

ومع أهمية وجود حكومة رشيدة وبرلمان واعٍ فاعل يدرك مسؤوليته الرقابية والتشريعية، إلا أن كليهما، الحكومة والبرلمان، عنصران متغيران بطبيعتهما، وحتى اللحظة، هما دون المستوى في الكفاءة، مع استثناءٍ هنا أو هناك.

كما أنهما ذاتهما بحاجة إلى إصلاحات هيكلية، إلا أن المؤكد أنه لن يتحقق أي تقدم واستقرار في المجتمع دون التركيز على مرفق القضاء، وفيه الكثير من التأسيس الجيد القابل للبناء عليه، كما أن فيه ما هو رثّ وبحاجة إلى إصلاح جاد، ولن يحدث ذلك إلا بالتوافق بين جميع السلطات وتقليص صلاحيات السلطة التنفيذية، وعدا ذلك فإننا داخلون على معركة تخريب المرفق الوحيد الذي بالإمكان ترميم المجتمع من خلاله، ألا وهو القضاء.

back to top