الثقافة الجنسية لدى الطفل... بين العلم والتحريم
أين المجتمعات العربيّة من الثقافة الجنسية للطفل؟ كيف يردّ الأهل على أسئلة الأطفال الحائرة في هذا المجال؟ إلى متى سيبقى هؤلاء يراوغون ويعنفون أطفالهم إذا ما جادلوهم في مسائل جنسية فيسببون لأولادهم أمراضاً نفسية وجسديّة خطيرة؟
هذه الأسئلة وغيرها تجيب عنها دراسة أجراها حديثاً د. يسري عبد المحسن (أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة) يؤكد فيها حق الطفل في إجابة مقنعة لأي معلومة جنسية تتناسب مع عمره ودرجة استيعابه ليتجنب البحث عن إجابة خارج نطاق أسرته.
هذه الأسئلة وغيرها تجيب عنها دراسة أجراها حديثاً د. يسري عبد المحسن (أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة) يؤكد فيها حق الطفل في إجابة مقنعة لأي معلومة جنسية تتناسب مع عمره ودرجة استيعابه ليتجنب البحث عن إجابة خارج نطاق أسرته.
يوضح د. يسري عبد المحسن أن البعض يعطي معلومات جنسيّة للطفل بطريقة سيئة، ما يدفع الأخير نحو تصورات غير واقعية، ويكرس لديه ثقافة مدمرة من الناحية الجنسية ويصيبه بارتباك، فيصبح أكثر عرضة للإصابة بأمراض جنسية ونفسية.يشير إلى أن الثقافة الجنسية للطفل، لا تعني خروجاً عن العرف والتقاليد، ولا الإضرار بعقلية الطفل، أو الخجل في التطرق إلى موضوعات حياتية حسب عمره وقدرته العقلية، أو الإضرار بأخلاقياته، أو الابتعاد عن التعاليم الدينية... بل هي ثقافة واجبة وضرورية، ولا حياء في العلم.
يرى أن من الأفضل أن يكون الطفل على درجة من الإدراك والوعي الجنسي كي لا يقع فريسة تصورات وأوهام وتخيلات غير صحيحة، يلاحظها بطريقة غير مباشرة حول الارتباط بين والديه، فتبعث في نفسه الإحساس بالغيرة، وتزيد أزماته النفسية وسلوكه المضطرب وتصرفاته تجاه والديه.الأسرة والمدرسةينبه د. عبد المحسن إلى دور الأسرة والمدرسة في تثقيف الطفل، فمنذ نعومة أظفاره يدرك ماهية العلاقة بين والديه، القائمة على الحب والود والتعاطف وتبادل المشاعر والأحاسيس الطيبة الرقيقة، من هنا يجب ألا تضرّه هذه العلاقة وألا تحرمه من أن يكون ملتصقاً بأمه ومن حنان والده وعطفه.يوضح أن الطفل عندما يتساءل عن طبيعة مجيئه إلى الحياة، يجب أن يدرك أن هذا الأمر مرتبط أولا وأخيرا بقدرة الخالق التي بعثها في نفس الأب والأم ليخرج هذا الابن إلى الوجود، على أن تكون المعلومة بأسلوب مبسط.كذلك قد تساعد حكايات تروى للطفل عندما يكون في الخامسة والسادسة من عمره على معرفة كيفية مجيئه إلى الحياة، وحقيقة القدرة الإلهية التي تجمع بين جسدي الأب والأم لإنجاب الطفل.يضيف: «إذا تساءل الطفل عن دوافع هذا التبادل وأسبابه، فلتكن الإجابة بأن ذلك يحفّز على استمرار المحبة والتجانس بين أفراد الأسرة، ويقوي الرابط بينهم، ويجب تصحيح الأفكار الخاطئة، التي يكتسبها من أقرانه».تشدد الدراسة على دور المدرسة، لأن الطفل في السادسة من العمر، يجب أن يعطى جرعات ثقافية جنسية متدرجة ومتناسبة مع عمره، وتتوافق مع طبيعة دراسته، وذلك من خلال مواد دراسية، مثل الأحياء والطبيعة والعلوم البيولوجية... تعلّمه تدريجاً أن ثمة علاقة جسدية بين الوالدين، ينشأ عنها تكوين جنين مكتمل، ثم يولد، ويتطور في مراحل الطفولة، تبعاً لارتباط جسدي بين الذكر والأنثى، على أن يكون دور المعلم من ناحيتي الإرشاد والتوجيه امتداداً لدور الأب والأم في المنزل.تشويه الحقيقةيحذر د. يسري عبد المحسن من تشويه الحقيقة أمام الطفل، وخوف الوالدين وخجلهما من الإجابة عن تساؤلاته الجنسية، واللجوء إلى القمع والقهر والكبت، ونهره عن التعرض لتلك الأمور، لأن ذلك يدفع به إلى الاتجاه العكسي، والحصول على معلومات بطريقة خاطئة، وقد تؤدي إلى انحراف سلوكه. ويوضح أن الثقافة الجنسية أحد أركان البناء النفسي للطفل، فالجنس حقيقة وجزء لا يتجزأ من كيان الإنسان الجسدي والنفسي والمعنوي، وإذا لم توضح الحقيقة داخل هذا الكيان، فقد يتمزق ويصل إلى المرض النفسي، لا سيما أن الطفل يعلم أن ثمة علاقة بين الرجل والمرأة وأنها مشروعة ومقننة.يشير إلى أن الطفل يستطيع التعامل مع هذه الحقيقة عندما يكون واعياً وناضجاً، واكتسب معلومات من دون تشويش أو غموض، عندها لا يلجأ إلى ممارسة خبرات سيئة بطرق غير مشروعة. تؤكد الدراسة على ضرورة تنمية الثقافة الجنسية للوالدين، وتعني في أحد جوانبها كيفية إعطاء معلومات صحيحة، حسب قدرتهما ودرجة وعيهما، ما ينمي لدى الطفل شعوره بذاته، وإدراكه للفروق الجسدية ووظائفها، وكيفية دخوله مرحلة المراهقة بمعلومات كافية عن المتغيرات في تكوينه النفسي والجسدي والاجتماعي.نصائح مهمةيقدم د. يسري عبد المحسن نصائح للأهل حول كيفية تربية أبنائهم من بينها:- اعتياد الطفل على احترام خصوصيات العلاقة بين والديه.- تخصيص مكان له منذ ولادته، حسب الظروف المعيشية والبيئية للأسرة.- احترامه لكيان الوالدين وعدم تطفله واقتحامه لعالمهما الخاص.- نومه في مكان مستقل ما يؤثر إيجاباً على حالته النفسية.- لا يجوز للأم الابتعاد عن طفلها، وعليها تلبية احتياجاته الأساسية كالرضاعة والحنان ومنحه شعوراً بالأمان.- رؤية الطفل لوالديه وهما يتبادلان كلمات الحب والمشاعر الرقيقة، تنمي في داخله القدرة على العطاء للجنس الآخر.- تأهيل الطفل للمرور بمرحلة المراهقة والبلوغ بسلام وهدوء وأمان.- أهمية دور الأم في إعداد الإبنة وتثقيفها بمعلومات كافية عن التغيرات الجسدية في مرحلة البلوغ.