هل ستبقى مصر بلا رئيس؟!
وصل "البطر الثوري" ببعض الشخصيات والقوى الحزبية إلى حد المطالبة بتشكيل "مجلس رئاسي مدني يقود الجماهير لاستكمال أهداف الثورة المصرية" والمطالبة أيضاً وبإلحاح لوقف الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، وهذا يعني أن هناك محاولات لإلغاء نتائج الجولة الأولى من هذه الانتخابات من خلال الإصرار على تطبيق قانون العزل السياسي على أحمد شفيق، وهذا يعني أن نزعة الانقلابات العسكرية لاتزال تفعل فعلها في مصر، والدليل هو أن هناك مطالبات جادة ومن قبل أطراف كثيرة باستبدال المحاكم المدنية بمحاكم ثورية.. أي العودة إلى ما كان سائداً في فترات سابقة من المفترض أنها ولَّت بلا أي رجعة!الذين طالبوا بتشكيل "مجلس رئاسي مدني.. يقود الجماهير لاستكمال أهداف الثورة المصرية" هم أساساً ثلاثة من الذين لم يحالفهم الحظ في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها أولاً محمد مرسي وثانياً أحمد شفيق، وهؤلاء الثلاثة هم حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح وخالد علي، والواضح أن هدف هذه المطالبة هو تكبيل الرئيس المقبل الذي سيفوز في الجولة الثانية بحيث يصبح قراره خاضعاً لـ"فيتو" اثنين آخرين لا هما من حزبه ولا هو من حزبهما وكل واحدٍ من هؤلاء له مواله الذي يختلف عن موال الاثنين الآخرين، أي بمعنى أن مصر ستبقى بدون رئيس هو صاحب القرار على اعتبار أن صناديق الاقتراع هي التي جاءت به إلى موقع الرئاسة وليس التسويات والسمسرات والاتفاقات الجانبية.
لقد كانت هناك صيغة ما يسمى الـ"ترويكا" في الاتحاد السوفياتي التي اختيرت كمخرج لتجنب أن يتحول الرفيق الأمين العام ورئيس المكتب السياسي إلى ستالين آخر، وكانت هذه الصيغة تجمع إلى جانب رئيس المكتب السياسي ليونيد بريجينيف كلاً من رئيس الدولة السوفياتية نيقولاي بودغورني ورئيس الوزراء اليكسي كوسيغن لكن في الحقيقة أن كل الأمور وكل القرارات الصعبة كانت بيد "الرفيق الأمين العام" وكان وجود رفيقيه هذين هو مجرد لزوم ما لا يلزم وكانت مهمة كل واحد منهما تقتصر على الأمور البروتوكولية وعلى المشاركة في المناسبات والاحتفالات العامة كمجرد صورة فقط.لكن مما جعل تلك الصيغة تبقى قائمة حتى المرحلة الانتقالية ومجيء ميخائيل غورباتشوف صاحب "الغلاسنوست" و"البيروسترويكا"، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي وزواله أنه كان هناك حزب واحد ووحيد وأوحد يقبض على مقاليد الأمور بقبضة حديدية، وأن كل شيء كان بيد "الرفيق الأمين العام" ليونيد بريجينيف صاحب المكتب السياسي ورئيسه، وأن الرفيقين الآخرين كانا يتمتعان بروحين رياضيتين تثيران الإعجاب، وكانا يكتفيان بالظهور في المناسبات العامة وبما يكلفهما به الأمين العام أو المكتب السياسي أو اللجنة المركزية.أما في مصر التي تمر الآن بظروف انتقالية صعبة وخطيرة فإن الأخذ باقتراح تشكيل "مجلس رئاسي مدني.. يقود الجماهير لاستكمال أهداف الثورة المصرية" يعني بقاء مصر بدون رئيس صاحب قرار ويعني المزيد من اختلاط الحابل بالنابل ويعني أن حالة الاستقطاب المُرْبكة التي تمر بها البلاد حالياً ستتحول إلى فوضى عارمة عنوانها "القرار قرار ميدان التحرير لا قرار رئيس الجمهورية ولا هذا المجلس الرئاسي ولا حتى صناديق الاقتراع" وهذه كارثة ستأخذ هذا البلد العربي الذي كان السبّاق إلى صيغة دولة المؤسسات وهذا كان قبل نحو ثلاثة قرون.. وقبل ذلك وحتى عندما كان ملحقاً بالإمبراطورية العثمانية وإن فقط من الناحية الشكلية.