أمن الخليج العربي: حوار مع الأصدقاء

نشر في 18-06-2012
آخر تحديث 18-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. عبدالحميد الأنصاري أمن الخليج هو الهم الشاغل للخليجيين؛ مسؤولين ونخباً وأفراداً، إثر تصاعد المخاطر والأطماع والتدخلات والتغيرات التي أفرزت قوى أيديولوجية انتقامية، ولأن الخليجيين شاكرون حامدون لأنعم الله تعالى عليهم وهم يرجون استدامتها لخيرهم وللآخرين، فإنهم حريصون على الاستقرار. وهم إذ يناصرون الشعوب ضد أنظمة باطشة فإنهم ينبذون العنف ويناصرون السلام، أثمرت جهودهم ازدهاراً في مجتمعاتهم وفرصاً معيشية لملايين البشر الوافدة إليهم.

الخليج اليوم لاعب دولي كبير يتشابك مع الكبار في حفظ الأمن والسلام الدوليين، هو الأكثر انسجاماً مع الحضارة المعاصرة والأعظم إشراقاً والأكبر أملاً للعالم في محنته المالية الكبيرة، الخليج، أي دول مجلس التعاون، نموذج الأمن والاستقرار بحسب مؤشر السلام العالمي الذي تصدرت قطر فيه المرتبة (1) عربياً. لكن كل ذي نعمة محسود ولأن الحياة قائمة على جدلية الخير والشر فإن قدر الخليجيين أن يكون لهم على الضفة الأخرى جارة مزعجة لا يأمنوا بوائقها: تستفزهم باستمرار، تهددهم بغير مبرر، تتدخل في شؤونهم وتثير التوترات وتغذي التطرف المذهبي، تبدد موارد شعبها على تكديس السلاح وبناء ترسانة نووية، الخليجيون يحاولون جهدهم كسبها وعدم الرد على استفزازاتها بغلق هرمز شريانهم الحيوي، لكن الجارة المسلمة مصممة على العنتريات وركوب الرأس ومناطحة القوى الكبرى.

مشكلة الجارة ليست مع الخليجيين الذين يكنون مودة للشعب الإيراني وهم قلقون عليه مثل قلقهم على أنفسهم، لا يريدون لإيران أن تقع في شرك يقودها إلى حرب تدمر المكتسبات المتحققة، لكن قادة إيران يتخذون من الخليج رهينة للمقايضة بها في تحقيق توسعاتهم وطموحاتهم النووية. الخليجيون يؤثرون سياسة حسن الجوار والدبلوماسية ويعتمدون سياسة الأدب الجم بحسب تعبير عبدالله بشارة مع الجارة المسلمة ويحاولون إيجاد أرضية مشتركة للحوار البناء معها.

لكن طهران تأبى، وتستمر في انتهاج سياسة العناد وتغذية التوتر والتدخل، وهي لا تكتفي باستنزاف مواردها في أسلحة الدمار وإنما تنفق المليارات في تمويل شبكاتها التخريبية الممتدة في أفغانستان إلى أعماق إفريقيا، تشتري الولاءات وتمول الجماعات المتمردة على أنظمتها وترصد الميزانيات الضخمة لشراء الفضائيات والصحف والأقلام التي تروج لسياستها الهادفة إلى هز الاستقرار. يتزايد قلق الخليجيين على تأمين مستقبلهم أمام هذا الجار المشاكس الذي يريد فرض سياسته عليهم وعلى المجتمع الدولي بطريقة: إمّا أن تقبلوا طموحاتي وإمّا أن يبقى الخليج رهينة لأهوائي!

هذا الجار الذي لا يكف في أطماعه في البحرين وغيرها ويتظاهر ضد اتحادها ولا يزال يعيش أوهام الإمبراطورية الزائلة طبقاً لمجلس النواب البحريني، يحتل جزر الإمارات ويستكبر على كل الحلول، فإذا كان بهذا الاستكبار بلا "نووي" فكيف سيكون بامتلاكه كما قالت الإمارات؟!

وفي هذا السياق، يبرز مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة باعتباره الأكثر نشاطاً واهتماماً وانشغالاً بالهمّ الخليجي، فبعد مؤتمره المهم "الأمن الوطني والإقليمي لدول المجلس: رؤية من الداخل" في يناير والذي هدف إلى بلورة "مفهوم استراتيجي" جديد وشامل للأمن الخليجي يعتمد على الخليجيين أنفسهم عبر تطوير سياسات للدفاع المشترك وتملك القدرة على الردع في إطار مظلة استراتيجية مستقلة وواسعة طبقاً للدكتور محمد عبدالغفار الذي أكد أن الأمن الوطني لم يعد شأناً داخلياً لأن مهدداته أصبحت عابرة للحدود.

ونظم المركز بالتعاون مع المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية والأمنية RUSI مؤتمراً بعنوان "أمن الخليج العربي: الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم"، وهكذا إذا كان المؤتمر السابق ركز على بلورة رؤية الخليجيين لأمنهم، فهذا المؤتمر يكشف رؤية الأصدقاء لأمننا، وكان من الضروري عقد هذا المؤتمر في أعقاب تصاعد التشكيك في جدية الحليف الأميركي بحماية الأمن الخليجي، كان الخليجيون بحاجة إلى حوار مباشر مع الحليف الحامي للخليج من أجل إعادة الثقة به وتجديدها بعد أن تعرضت للاهتزاز عقب تسريبات أوحت بصفقة مقايضة بين الحليف والجار، كان من الضروري أن نسمع منهم ويستمعوا إلينا ويعاينوا على أرض الواقع البحريني عدم مهنية وسائل إعلام غربية تناولت الأحداث وهددت الأمن البحريني لمصلحة أجندة خارجية.

كانت كلمة وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة معبرة عن هذه القضايا حينما تساءل عن مدى جدية الحليف التقليدي في تحقيق أمن الخليج في مواجهة التهديدات والتغيرات المخلة بالاستقرار، خصوصاً بعد الأزمة المالية وانشغال الإدارة الأميركية بقضايا الداخل وتبنيها سياسات تخفيف الاعتماد على نفط الخليج وإعطاء أولوية استراتيجية لمنطقة الشرق الأقصى والمحيط الهادئ؟!

وقد شخص الوزير البحريني العلّة الكبرى المهددة للأمن الخليجي بقوله إن أكبر المخاطر الداخلية التي تهدد الأمن أساسها "التطرف المذهبي"، وهو الأمر الذي تعمل إيران على تغذيته مع الأسف، وهذا هو الواقع وهو ما يتفق مع ما جاء في تصريح مدير الأبحاث الأمنية بالمعهد الملكي البريطاني د. جوناثان إيال لصحيفة "الأيام"، من أن إيران تمثل "المشكلة رقم واحد" كأكبر مولد للتوتر في المنطقة، وإذ أشار الزياني الأمين العام لمجلس التعاون إلى أن قدر المنطقة أن نتنقل من أزمة إلى أخرى وأن يعيش الخليجيون في قلق دائم، فإنه أنعشنا بقوله إن المجلس اليوم أكبر قوة وقدرة على حفظ الأمن ويلعب دوراً فاعلاً في حل النزاعات الإقليمية والدولية.

وبدوره، وجه مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين، الأنظار إلى ضرورة التعامل مع التحولات الجديدة بالساحة باستراتيجيات مستحدثة تتواءم وحجم تلك التحولات، مثمناً دعوة خادم الحرمين الشريفين الى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد باعتبارها نموذجاً يعكس تحولاً في الفكر الاستراتيجي لدول المجلس، بما يتناسب ومتطلبات الأمن الوطني والإقليمي، وباعتبارها أيضاً إدراكاً واعياً بعمق التحولات الراهنة ومؤكداً ضرورة المسارعة إلى اتخاذ مبادرات لتطوير برامج التنمية البشرية والإصلاح الاقتصادي الشامل والاهتمام بقطاعات الثقافة والتعليم بهدف إرساء نهضة فكرية تسهم في حراك مجتمعي قادر على تجاوز الموروثات المذهبية والعرقية الممزقة للوحدة الوطنية.

واعتبرت سميرة رجب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام "المعلومة" الرصاصة الأولى في الحرب أو المسكن الأول للسلام، وانتقدت إعلام الدولة الرسمي لقصوره في حماية الدولة إعلامياً، كما انتقدت المعارضة التي وظفت تقنية التواصل الاجتماعي وغيرها لشن حرب إعلامية ضد الدولة استخدمت فيها جميع أدبيات الكذب والافتراء، مؤكدة حق الدولة في حماية مواطنيها وأمنها، كما انتقدت بعض المنظمات الحقوقية في عدم مهنيتها وتحيزها، وهكذا توالت كلمات الباحثين ومداخلات الحضور، وهي كلمات ثرية لا يتسع المجال لذكرها لكن يمكن الإطلاع عليها في مواقعها على الشبكة العنكبوتية.

* كاتب قطري

back to top