يثبُت يوماً بعد يوم أن روسيا هي التي تقود معركة بشار الأسد، وأن "الجنرال" سيرغي لافروف، على اعتبار خبرته في قمع الشعب الشيشاني، هو المكلف بهذه المهمة، ولذلك فإنه أصدر نبوءة عسكرية قاطعة مانعة بأن المعارضة السورية "لن تستطيع إلحاق الهزيمة بقوات الرئيس بشار الأسد حتى لو تم تسليحها إلى أقصى حدٍّ ممكن"، وبالطبع وكالعادة فإن وزير الخارجية الروسي، الذي استحوذ على دور وليد المعلم وبات متحدثاً بلسان النظام السوري، لم ينْسَ في تصريحاته هذه، أن يحذر من مغبة المخططات التي تستهدف تسليح الجيش الحر، وأن يُصدر حُكْما باتاً بـ"أن مثل هذه المخططات سوف تطيل أمد هذه الأزمة!". وكان لافروف قبل أيام قد حذَّر من أن المعارضة السورية تريد استبدال نظام بشار الأسد القائم بنظام "سنيٍّ"، وهذا يدل على أن التدخل الروسي في شؤون هذه الدولة العربية لم يتجاوز الأعراف الدبلوماسية فقط، بل تجاوز القيم الأخلاقية، إذْ كيف تسمح دولة، تقول إنها دولة عظمى، لنفسها بأن تحشر أنفها في مسائل طائفية حساسة يعتبر طرحها في هذه الفترة بالصورة التي طرحها وزير الخارجية الروسي كصبِّ الزيت على نارٍ مشتعلة، وإذكاء لفتنة لاتزال هناك إمكانية لإحباطها وتفاديها من خلال وضع حدٍّ للتدخلات الروسية والإيرانية، وكذلك تدخلات "حزب الله" اللبناني في الشؤون الداخلية السورية. إن سيرغي لافروف هذا عندما يُصدر حكماً قاطعاً بأن المعارضة السورية لن تستطيع إلحاق الهزيمة بقوات بشار الأسد "حتى لو تم تسليحها إلى أقصى حدٍّ ممكن"، فإنه يثبت أنه جنرال فاشل، وأنه بالتأكيد كان قد تهرَّب من الخدمة العسكرية في "الجيش السوفياتي الأحمر"، الذي كان يعتبر من أقدر جيوش العالم كفاءة قبل أن يُهزم تلك الهزيمة النكراء في حربه البائسة في أفغانستان. وحقيقة لو أن لافروف لديه ولو الحد الأدنى من الذاكرة السياسية النشيطة لأدرك أن الذي هزم الجيش الأحمر في أفغانستان ليس حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، وليس قوات "المارينز" الأميركية، وإنما "المجاهدون" الحفاة وببنادق "الكلاشينكوف" الروسية الصنع، وهذا يعني أن على وزير الخارجية الروسي أن يدرك أن هذا الذي يجري في سورية ليس مواجهة بين جيش وجيش، وإنما ثورة شعب يطلب الموت من أجل كرامته، ومن أجل إطاحة نظام استبدادي ظالم، وأن الجيش السوري الحر هو نسخة مكررة عن فصائل المقاومة الأفغانية التي حققت النصر، ليس بالدبابات والطائرات والصواريخ بل بالإيمان والتصميم على الشهادة. ثم إن المؤكد أن لافروف هذا يعرف أن قوات الرئيس بشار الأسد، التي قال إن المعارضة السورية "لن تستطيع إلحاق الهزيمة بها"، هي قوات باتت تتمزق ويزداد تمزقها يوماً بعد يوم، وأنها غدت منهارة المعنويات، وتشعر بأنها تقاتل في معركة خاسرة لا محالة، وأنها ستحاسب على الجرائم التي ترتكبها ضد شعبها ذات يوم قريب، لكنه ورغم معرفته بحقائق الأمور في سورية فإنه يصر على المناكفة، وأنه قال هذا الذي قاله لرفع معنوياته هو أولاً، ومعنويات حلفائه في دمشق الذين أصبحت معنوياتهم في الحضيض رغم صخبهم المرتفع، ورغم كل حركات رئيسهم الاستعراضية.
Ad