ينطلق معرض الكتاب وتثور معه نفس الأسئلة عن الرقابة التي تفرضها عليه وزارة الإعلام، وعن هدفها وجدواها. قد يقول قائل وما تأثير بضع مئات من العناوين على الميزان في مقابل عشرات الآلاف من الكتب التي يزخر بها معرض الكتاب؟ وهل تباطؤ أو توقف العجلة الثقافية، وعزوف الناس عن القراءة والتثقف هو بسبب هذه العناوين؟

Ad

والحق ان هذا قول صحيح، فبضع مئات، بل بضعة آلاف من الكتب، لن تعرقل المسيرة الثقافية المزعومة إن هي أرادت أن تنطلق حقاً، ولن تجعل الناس في حيرة وتيه عن الثقافة لأنهم لا يجدون ما يقرأونه. كل عام أجد في معرض كتابنا ذاته، وهو المعرض المكلل دوماً مع كل انطلاقة له بعار المنع والرقابة، جواهر ونفائس من الكتب الرائعة التي لم يعطها أي أحد اهتماماً خاصاً أو حتى أحس بوجودها، لا من النخب المثقفة، ولا من المجموعة المتذمرة دوماً من الرقابة، ولا من عموم الناس.

لكن، بالرغم من هذا، فأنا أدرك أن فكرة رفض الرقابة هي فكرة مبدئية وموضوعية، ولا أدري عن أي رقابة يتحدث "الرقيب" ونحن في عصر الإنترنت الذي جعل أي شيء وكل شيء في متناول اليد، وأفترض في متناول العقل أيضاً، بكبسة زر كما يقولون؟! كل الكتابات المرفوضة دينياً وسياسياً واجتماعياً متاحة في مواقع الإنترنت، وليس أسهل من الحصول على الصور والرسومات والأفلام الإباحية من الشبكة. ولا شك في أن "الرقيب" يعلم بهذا، فهو ليس بساذج ولا غائب عن العالم، ولا هو ممن لا يعرفون ما الإنترنت ولا يمتلكون جهاز كمبيوتر.

أدرك تمام الإدراك أن هذا النشاط المحموم الذي يقومون به لمراجعة آلاف العناوين ومنع ما لا يروق لهم منها، ما هو إلا مضيعة للوقت والمال والجهد، لكنني لا آسى عليها كثيراً لأنها مجرد مضيعة صغيرة تشابه عشرات المضيعات الأخرى التي تنخرط بها أجهزتنا الرسمية بلا فائدة، ليس من باب الإيمان بجدواها وقيمتها، بل خوف من الضاغط السياسي والترصد الإعلامي.

أنا مقتنع بأن وزارة الإعلام عندنا تصر على مزاولة "الرقابة" على معرض الكتاب، وهي الرقابة التي تخلصت منها أغلب معارض الكتب في دول الخليج العربي أخيراً، رغبة في البعد عن صداع سياسي لا داعي له، وخوفاً من اشتعال أزمات سياسية، وما أسهل اشتعالها عندنا، وذلك لأنها لو تركت معرض الكتاب بلا رقابة، فسيكون وزيرها ووكيلها عرضة للقصف والضرب من كل الاتجاهات. سيهاجمه الشيعة والسُنّة والبدو والحضر والإسلاميون والليبراليون، كل من زاويته بسبب تلك الكتب التي يراها قد أساءت لعقيدته أو مذهبه أو لانتمائه أو أصله أو تاريخه، أو غير ذلك، و"من لا يشتري سيتفرج".

منذ سنوات وفي تحقيق صحافي ما، أو لعلها ندوة على الإنترنت أو شيء من هذا، كنت تحدثت عن الرقابة، فقلت إن الحل في قناعتي يكمن في الرقابة البعدية لا الرقابة القبلية التي تمارس حالياً، وكنت أقصد بهذا وجود قوانين دستورية واضحة محددة تشارك في صياغتها ورسم معاييرها المؤسسات الثقافية المختصة، حول ما لا يجوز الخوض فيه من خلال الكتابة، دينياً وسياسياً واجتماعياً، على أن تسند هذه القوانين بعقوبات رادعة في حق المتجاوزين من الناشرين والكتّاب. وهكذا ستعمل هذه الرقابة البعدية دون الحاجة إلى وجود لجنة مختصة من وزارة الإعلام أو أي جهة كانت لتجلس فتنظر في العناوين والمحتويات وتعرضها على المعايير، وسيصبح القراء هم من يراقبون، وسيصبح الناشر والكاتب وليي أمر نفسيهما، ويعرفان ما يجوز الخوض فيه وما لا يجوز، إما إيماناً واقتناعاً، وإما خوفاً من تحمل العقوبات الضخمة التي ستفسد عليهما أي حلاوة قد تتحصل من نشر المرفوض قانونياً.

على أي حال، سيبقى موضوع الرقابة موضوعاً متكرراً بلا حل، في ظل واقعنا السياسي الملتبس، وإن كانت هناك من نصيحة أوجهها اليوم فهي للقراء بالحرص على زيارة معرض الكتاب والبحث بين أرففه، فهناك آلاف الكتب القيمة التي تستحق الاقتناء والقراءة. وكل معرض كتاب وأنتم والثقافة والحياة الجميلة بخير.