الإحساس بقرب النهاية يدفع المرء إلى أن يسلك كل الطرق لتأمين حل أو إيجاد مخرج لتلك الأزمة التي أوصلته إلى هذه الحال، والأزمة السورية بتعقيداتها الإقليمية والدولية تمر الآن بمنعطف خطير حيث السقوط اليومي لمواقع النظام حتى باتت الثورة على أبواب دمشق، بل في أحيائها مما ينذر بقرب سقوط النظام.

Ad

وهذا الأمر استدعى بالضرورة مزيداً من المبادرات وسيلاً من التصريحات، وأكثرها كان بمنزلة طوق نجاة للنظام خشية المصير المشؤوم الذي بات على شفا حفرة من تحقيقه على يد الثوار؛ مما سيقلب معه كل الحسابات الإقليمية التي اعتمدت من وحي خلود وأبدية النظام.

أي تسوية لأي معضلة تحتاج إلى تنازلات مهمة ومؤلمة أيضاً حينما تتعلق بالمصير، لكن الحالة السورية مختلفة بل مخالفة للمنطق، إذ إنه رغم كل الدمار الذي ألحقه النظام بالشعب السوري حجراً وبشراً تأتي المبادرات لتمسح آثار العدوان عن النظام، بل تمده بعمر ليكمل مشواره الإجرامي، ويدمر ما غاب عن ناظريه أو ما سقط سهواً منه.

المبادرة الإيرانية الأخيرة وما تبعها من خطبة "نصراوية" عصماء كتسويق لها كانت بلاشك تحمل كل شيء إلا "الحلول والأخلاق"، فرغم أنها مكررة ولا تساوي قيمة حبرها فإنها تعاملت مع الشعب السوري كقضية لجوء وتشرد وإعمار بنيان ناهيك عن لغة التحدي والدعم اللامحدود لنظام الأسد المجرم من خلال تأكيد "نصر الله" في إطلالته الأخيرة "أن النظام باقٍ ولن تسقطه المعارضة ولا غيرها"، متناغماً بذلك مع المبادرة والتصريحات الإيرانية بهذا المنحى.

تهاوي دفاعات النظام أمام ضربات الثوار، وتمددهم داخل العاصمة أيقظ غريزة البقاء لديه مما دفع لأول مرة منذ قيام الثورة بنائبه فاروق الشرع للإدلاء بحديث صحافي يؤكد عجز النظام عن الحسم العسكري، كما هو عجز مشترك لدى الطرفين طالباً التفاوض لإيجاد مخرج للأزمة لأنه السبيل الوحيد وذلك لضرورة العجز، ولم يذكر الشرع على ماذا ستكون المفاوضات؟ هل على إحصاء عدد الشهداء والمفقودين؟ أم على حلّ الجيش الحر وتسليم أسلحته لشرعية الأسد؟ أم على عدد وزراء المعارضة المطلوب مشاركتهم في حكومة البعث القائد؟!

أعتقد أن الشرع لم يدر في خلده أن المفاوضات التي يطرحها لن تكون إلا على رحيله مع سيده، بل كل مجرمي نظام الأسد إلى حيث العدالة والقضاء، وأن السقوط بات حتمياً، وهو المخرج الوحيد للأزمة، وهذا لن ينسينا أن النزعة "النيرونية" لهذا النظام التي ستشتد لحظة السقوط خراباً ودماراً كيماوياً ربما، مع احتمال شبه مؤكد أن يلجأ إلى معقله الساحلي، حيث الحاضن الطائفي والمساندة العسكرية مما يعطيه الأمل في المناورة والابتزاز لضمان حياته وحصانته وأتباعه أو لإعلان "دولته العلوية المستقلة".

وقد أسهبت صحيفة "الصنداي تايمز" اللندنية في هذا الجانب نقلاً عن مصدر روسي مهم، إذ أكد أن الأسد يملك في جيبه الساحلي ما يعادل سبعة ألوية واحد منها كيميائي وواحد صاروخي وبقيادة "علوية" بحتة- لأن أبناء الطائفة بمجملهم جنود وضباط بالجيش السوري والذي أُمِّم لمصلحتهم وفُصِّل على مقاسهم من أجل لحظة تاريخية كهذه- مع توافر حاضن اجتماعي ما انفك يسانده رغم دمويته المفرطة وذلك لاعتبارات طائفية.

لن نقلق من لغة التهديد والوعيد الأسدية والفارسية معاً والجازمة بعدم سقوط الأسد وبالمطلق؛ لأنها باتت مستهلكة وغير ذات جدوى لتغير المعادلة على الأرض، ولن نقلق أيضاً من "الجيب العلوي" إن حدث لحماية رأس النظام المهزوم لأن الثورة أضحت سيلاً جارفاً لن يوقف جريانه لا "العمامة السوداء" ولا "الأحقاد العمياء" وستعود سورية بفضل أبنائها ووحدتهم حرّة مستقلة موحدة تنعم بالحرية والكرامة.