فجر يوم جديد: أصوات خليجية
هموم العرب من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر ظلت الشغل الشاغل لمهرجان دبي السينمائي الدولي، في دورته التاسعة (9ـ 16 ديسمبر2012)؛ ففي توقيت متزامن مع الإعلان عن برنامج «ليال عربية» يؤكد المهرجان التزامه الثابت حيال السينما الخليجية الوليدة، ويعزز اتجاهه الدائم إلى تشجيع المواهب الشابة ودعم التجارب الإنتاجية، من خلال برنامج «أصوات خليجية»، الذي يحتفي بالأفلام الخليجية الشابة التي تعكس واقع المنطقة ومتغيراتها، وترصد هموم أهلها في مملكة البحرين، المملكة العربية السعودية، العراق وسلطنة عُمان.«أصوات خليجية» تتبنى تقديم خمسةَ أفلام قصيرة وفيلماً روائياً طويلاً هو فيلم «أصيل» للمخرج العُماني خالد الزدجالي، ويُعرض للمرة الأولى في منطقة الخليج العربي، التي يخشى الزدجالي من ضياع هويتها واندثار تراثها، فيقدم رحلة كفاح طفل بدويّ لم يتجاوز التاسعة من عمره لحماية قريته وتراث أهله.
يبحث المخرج العراقي كاميران بيتاسي في فيلمه «سيلهوته»، في عرضه العالمي الأول، عن العلاقة بين الحياة والأمل والسعي وراء الحصول على السعادة، ويترك للمشاهد مساحة كبيرة للتفكير والتأمّل. وفي مفاجأة غير متوقعة، لا تكتفي السعودية بالمشاركة في برنامج «أصوات خليجية» بفيلم تقليدي «فولكلوري» أو «صحراوي» ينأى بها عن المشاكل، وإنما تُعلن عن مشاركتها بفيلم يُعرض للمرة الأولى في العالم، وينتمي إلى نوعية سينما التشويق السياسي، يحمل عنوان «مصنع الكذب»، وينطلق مؤلفه ومخرجه حمزة جمجوم من صحارى المملكة العربية السعودية إلى شوارع مدينة شيكاغو الأميركية ليكشف الجانب الإجرامي والوحشي لمجتمع المال والأعمال الأميركي. الطريف أن المخرج والمؤلف البحريني محمد راشد بوعلي لم يكتف باختيار فيلمه الروائي الطويل «الشجرة النائمة» (يوثّق لحياة عائلة بحرينية ويلقي الضوء على العناصر الثقافية التي اعتمد عليها المجتمع البحريني كسبيل للحفاظ على هويته) للترشُّح لجائزة «السينمائيين الخليجيين للفيلم الروائي الطويل»، وإنما آثر المشاركة في برنامج «أصوات خليجية» بفيلمه الروائي القصير «هنا لندن» (رغبة زوجين في الحصول على أفضل صورة تعكس حبّهما الأبويّ ليرسلاها إلى ابنهما المقيم في الخارج).في سياق متصل، يقدم المخرج السعودي نواف الحوسني في فيلمه «مجرد صورة» بحثاً على الشاشة عندما يقتفي أثر رحلة استكشافية يخوضها ثلاثة من الباحثين للتوصل إلى أفضل لقطة فوتوغرافية للصحراء، بينما يوثق المخرج العراقي حيدر الكناني في فيلم «48 ساعة»، الذي يُعد الفيلم الرابع في البرنامج الذي يُعرض للمرة الأولى في العالم، كفاح ومعاناة الجيل الجديد للخريجين العراقيين في عراق الحاضر، ومدى قدرتهم على التكيف مع الظروف المحيطة بهم، والأحداث الساخنة التي تخيم على وطنهم.الأمر المؤكد أن برنامجاً مثل «أصوات خليجية» سيجعل الفرصة مواتية ليس فقط للتعرف إلى تفاصيل المجتمع الخليجي وخصائصه، وإنما معاينة ما يمكن أن نسميه خارطة المتغيرات التي اجتاحت الحياة في المنطقة، ووضع أيادينا على آثارها السلبية والإيجابية، وانعكاسها على المواطن الخليجي بصورة خاصة. وهي فرصة ما كانت لتتوافر لأي متابع للسينما أو مهتم بها لولا الجهد الوافر لإدارة «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، الذي اندلعت مخاوف كثيرة مع تدشينه، وانطلاق دورته الأولى، خشية أن يتحول إلى سوق للسينما العالمية، ووجهة سينمائية لمخرجيها، على حساب السينما العربية والخليجية. ومع تعاقب الدورات أثبت المهرجان أنه يضع نصب عينيه الارتقاء بالسينما العربية، سواء بالاحتفاء بمبدعيها أو الإسهام في دعم منتجيها، وهو الدور نفسه الذي يؤديه المهرجان بدأب يحسد عليه، على صعيد السينما الخليجية التي باتت تحظى باهتمام واسع محلياً وإقليمياً وعالمياً.مع الاتجاه إلى تدشين فكرة إقامة مهرجانات سينمائية في منطقة الخليج تعالت أصوات يتساءل أصحابها، بلهجة لا تخلو من السخرية والاستنكار، عن جدوى تنظيم مهرجانات في بلاد لا تعرف صناعة السينما، ودورة بعد الأخرى نجح مهرجان «دبي»، ومن بعده مهرجان «أبو ظبي»، ومهرجان «الدوحة ـ تريبيكا»، في الفترة الأخيرة، في تفنيد هذه الدعاوى ودحضها، بعد أن أسهمت جميعها في تشجيع إقامة صناعة سينما خليجية، من خلال دعم المواهب الشابة الأقدر على مقاربة الواقع الخليجي، وملامسة هموم المواطن، عبر تجارب ربما تفتقد الخبرة الكافية أو تفتقر إلى عمق الرؤية ولكن لا يعوزها صدق الطرح ودفء المشاعر، والاقتراب الحميمي من عوالم كانت مجهولة إلى وقت قريب، ونجح أبناء الجيل الجديد من المواهب الخليجية الشابة، بفضل التقنيات السينمائية المتوافرة لعدد كبير منهم، في إلقاء الضوء عليها وتسليط الأنظار حيالها، ومن ثم أصبح للسينما الخليجية تواجد في مهرجانات العالم... والفضل في هذا يرجع إلى المهرجانات التي أثارت سخرية البعض... واستنكارهم!