تقرير اقتصادي : الإنفاق المالي لتجاوز الأزمة السياسية... الحكومة تناقض نفسها
● تكلفتهما 3 مليارات دينار... وتحذرنا من زيادة الإنفاق ومخاطر العجز
● «إبر البنج» مفعولها قصير جداً وسرعان ما تعود الأزمة إلى الاشتعال
الحكومة التي تنظر في الوقت الحالي في شراء فوائد القروض هي ذاتها التي لطالما تحدثت عن صندوق المتعثرين، لأنه عالج الحالات المتعثرة عن سداد القروض.
● «إبر البنج» مفعولها قصير جداً وسرعان ما تعود الأزمة إلى الاشتعال
الحكومة التي تنظر في الوقت الحالي في شراء فوائد القروض هي ذاتها التي لطالما تحدثت عن صندوق المتعثرين، لأنه عالج الحالات المتعثرة عن سداد القروض.
خلال الـ72 ساعة الماضية تواردت المعلومات من مصادر «ثقيلة» بوجود مشروع حكومي لضخ أموال بالمليارات بشكل استهلاكي، في سبيل الخروج من الأزمة السياسية الحالية التي تفجرت بعد صدور مرسوم ضرورة بتقليص عدد الأصوات من 4 إلى صوت واحد!فمن المعلومات المتداولة حالياً شراء الدولة لفوائد القروض من المواطنين، الى جانب رفع بدل الإيجار من 150 الى 250 دينارا، وزيادة الراتب التقاعدي من 150 الى 300 دينار، فضلا عن منح قرض اسكاني اضافي بواقع 50 الفا... وهي تعادل عند اقرارها 3 مليارات دينار.
ربما يكون من المكرر الحديث عن الآثار الاقتصادية السلبية التي يمكن ان تنجم عن توزيع الاموال بهذا النمط الاستهلاكي على المواطنين دون اي اعتبار للميزانية وتصاعد الانفاق بشكل مخيف في السنوات الاخيرة.وينسحب التكرار أيضا على استخدام الاموال للخروج من الازمة السياسية، وهو ما حدث في منحة الـ1000 دينار، الى جانب موافقات الحكومات السابقة على العديد من الكوادر، وهنا نستذكر كيف استطاع اتحاد البترول لي ذراع الحكومة سياسياً عبر التلويح بالإضراب ليحصل خلال ساعات على الموافقة على كادر القطاع النفطي، الذي شوه نظام الرواتب في الدولة، لتنطلق بعدها حملات المطالبة بالكوادر والزيادات.غير المكرر هذه المرة -ولو نسبيا- هو كيفية تناقض الحكومة لخطابها خصوصاً الاقتصادي، فالحكومة وليس نواب المقاطعة هي التي تشكو من تضخم الإنفاق الاستهلاكي، وهي التي يقدم وزير ماليتها دراسة تحذر من قلة الايرادات ووجوب اعادة تقييم اسعار الخدمات والوصول الى النظام الضريبي!بل ان الحكومة برئيسها هي التي تبنت تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية الذي شدد صراحة على ان الاستمرار في آليات الإنفاق الحالية يعني دخول الدولة دائرة العجز المالي بحلول عام 2020 بواقع 3.4 مليارات دينار، واستفحال العجز التراكمي الى 174 مليارا في 2030، إضافة إلى عدم قدرة الدولة على توفير فرص العمل او الخدمات. ومجال التناقض مفتوح الى ابعد حد، اذ ان الحكومة التي تنظر اليوم في شراء فوائد القروض هي ذاتها التي تحدثت دائما عن صندوق المتعثرين، كونه عالج الحالات المتعثرة عن سداد القروض وعددهم نحو 28 ألف متعثر، وان نسبة المتعثرين لم تكن تتجاوز 3.3 في المئة من اجمالي عدد المقترضين البالغ 300 ألف.ألم يحذرنا وزير المالية قبل اشهر من تقرير صندوق النقد، الذي يتحدث عن امكانية ان تنقلب الفوائض في الكويت الى عجز مالي بحلول عام 2017؟ ما الذي تغير؟هذه الارقام والمعلومات طالما سوقتها الحكومة، وشكت من تدخل النواب تحديداً في ملف القروض وفوائدها، فضلا عن العديد من التصريحات الحكومية التي تتحدث بكل مناسبة عن خطورة الاستمرار في الوضع الحالي لتأتي اليوم وتسوق ما كانت تعارضه، فقط سعيا نحو معركة سياسية بحتة تتمثل في كسر عظم المقاطعين للانتخابات، وهذا ما يكرر المبدأ الاساسي الذي تقوم عليه مختلف الحكومات في الكويت، وهو طغيان مشروع الحكم على مشروع بناء الدولة.من قال إن حل الازمة الاسكانية يتلخص في رفع قيمة بدل الايجار أو حتى منح قرض اضافي جديد؟ فمن يريد حل ازمة ما يناهز 100 الف عائلة كويتية عليه أن يتخذ اجراءات جادة اقلها تحرير نحو 5 في المئة من اراضي الدولة لمصلحة مؤسسة الرعاية السكنية، وفتح التنافسية في قطاع المواد الانشائية، وتوفير العمالة المطلوبة للبناء، مع تسهيل التمويل، وغيرها من التفاصل الفنية... وغير ذلك يعتبر استنزافا لموارد الدولة ودعما للتضخم والغلاء سيستفيد منه ملاك العقارات اكثر من المواطن نفسه.اللافت في الموضوع اننا نتحدث في بعثرة المليارات في وقت لايزال العالم يعيش ازمة اقتصادية عالمية لم يسلم منها احد، لذلك من الاجدى في ظل اجواء عدم اليقين الاقتصادي ان تتصرف الدول، ومنها الكويت، وفق سياسات احترازية متحفظة، خصوصا اننا نعتمد على مصدر احادي للدخل هو النفط، ولا أحد يضمن استمراره في المستقبل، ولا يمكننا حتى أن نتحكم في أسعاره، خصوصا في ظل ازمات اقتصادية متجددة يمكن ان تهوي بأسعار مصدرنا الوحيد الى ما دون الـ50 دولاراً، في وقت تتصاعد فيه الكلفة على الميزانية كسعر تعادل مع البرميل عاماً تلو الآخر.وبالطبع فإن هذه المعلومات والمخاوف ليست غائبة عن الحكومة، بل تعرفها جيدا، لكنها تراهن على حسابات سياسية لا علاقة لها بمستقبل الدولة ولا استقرارها، فالهدف اليوم هو الخروج من أزمة الانتخابات وحث المواطنين على المشاركة بأي طريقة، وهي لعبة قد تكون ناجحة لبعض الوقت، لكنها يستحيل أن تكون حلاً على المدى المتوسط، فالتجارب القريبة تتحدث عن «إبر بنج» مفعولها قصير جدا، وسرعان ما تعود الأزمة للاشتعال كون العلة في النهج الحكومي بإدارة الدولة وهو ما لم يتغير من سنوات.