الاتفاقية الأمنية إلى أين؟
حتى هذه اللحظة، لم يُعلن نص الاتفاقية الأمنية الخليجية التي وقع عليها وزراء داخلية الدول الست الأسبوع الفارط. اتفاقية 1994 انضمت لها 5 دول باستثناء الكويت. وقد قيل إنه تم إجراء تعديلات عليها، ولكن الإصرار على عدم نشرها يثير تساؤلات مشروعة بحقها، فإن كانت قد أصلحت القصور في الاتفاقية القديمة، وهو أمر مستبعد، فإن إشكالية مواجهتها ستكون أقل بكثير.ويبدو أن أجواء شعبية آخذة في التشكل ضد الاتفاقية، وهي أجواء مرشحة للتصاعد لا للتراجع. وسبب تلك الأجواء هو تصور أن هذا النوع من الاتفاقيات هو حماية للأنظمة لا الشعوب، وأنه في الغالب لملاحقة أصحاب الرأي والإصلاحيين والمعارضين السلميين.
ما يتم تداوله الآن من نصوص هي للاتفاقية القديمة 1994، وفيها كثير من المثالب وتتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان. وقد كانت الكويت هي الدولة الوحيدة التي لم تنضم إلى الاتفاقية لسببين؛ أحدهما دستوري والآخر الحاجة إلى موافقة مجلس 1992 عليها، ولم يكن ممكناً تمريرها من خلاله، وبنفس المنطق، تجنبت الحكومة عرض "الترتيبات الأمنية" مع الولايات المتحدة المعروفة باسم "صوفا" على المجلس، مع أنه تم تجديدها مرتين، بحجة أنها "ترتيبات" وليست "اتفاقية". ولطالما أثرت ضرورة إبرام اتفاقية دستورية مع الولايات المتحدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى من نواب معارضين للأسف. ولكن إلى أين ستتجه الاتفاقية؟ وما معنى توقيع وزير الداخلية عليها؟أي اتفاقية لابد أن تصدر عن طريق مجلس الأمة، فيصبح لها قوة القانون حسب المادة 70 من الدستور. فتوقيع الوزير هو بمثابة إعلان نوايا، ومن حق المجلس رفض الاتفاقية أو تعديلها أو التحفظ على أي من بنودها، ويبقى الجانب السياسي أكثر أهمية، فعلى الرغم من الانطباع السائد بأن المجلس القادم هو مجلس حكومي مطواع، فإن الاتفاقية ستواجه معارضة أكيدة من بعض المؤكد فوزهم وأعلن بعضهم موقفه الرافض مقدماً.ومن ثم ستتحول معارضة الاتفاقية سياسياً إلى توافق بين أطراف متناقضة، وهكذا تكون الحكومة، كعادتها، قد حفرت لنفسها حفرة مواجهة، وقوّت من شأن معارضيها، إلا أن يكون الهدف من الاتفاقية تعاون الحكومات ضد شعوبها، وهو هدف يتم القيام به دون اتفاقيات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.