الأصدقاء والوطن

نشر في 18-11-2012
آخر تحديث 18-11-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري حين يحتضنك وطنك بعد غياب تشعر أن وحدتك الروحية تلاشت، وتشعر أنك غصن شجرة أعيد الى جذوره، حين تعود الى وطنك تستكين روحك المضطربة الى طين الارض والى أصوات الناس لتكتشف فجأة أنك حي وأن نبض الحياة حولك هو نبضك ذاته.

في لقاء الأصدقاء ترى الوجوه التي تعرف وتحب. الوجوه التي اعتدت أن تألفها، تستمع اليها وتقتسم معها الكلام وجدوى الكلام. وجوه ترى في أعينها تاريخك وأجمل أيامك، عذّبك الشوق الى جلسات المقهى وضجيج آخرين لا تعرفهم ولكنهم منك، لأصواتهم ألفة ولمزاحهم متعة.

هنا حولك في الجلسة أصدقاء جدد يتداولون همّ الكتابة ويبدأون الطريق نحو عذاباتها العذبة. أصدقاء تلتقيهم للمرة الثانية ربما، يصغرونك سنا ويفوقونك حماسا ونشاطا. تتعلم منهم أكثر مما يفيدون منك. تتلهف لتعرف ماذا يقرأون ولماذا، وكيف يفكرون وبماذا؟ هؤلاء هم استمرارك الفعلي وحلمك القديم بأن لا ينبض العطاء ولا تقتله حركة الحياة المادية كما فعلت بكثير من المغتربين الذين تركتهم خلفك.

في الأيام الأولى، وأنا أعمل جاهدا للخروج من ثياب سنة طويلة مرت في البعد، أنظر الى الناس من حولي وأعلم أن الشارع الذي ينقلني من منطقة الى أخرى يعاني أزمة في الأخلاق تتفاقم كل سنة وغيابا في الوعي يتأصل عاما بعد آخر، وأعلم أن الأمل بجيل مثقف ثقافة عامة يمكن أن تراها في احترام الطريق وقبول الآخر بغض النظر عن فئته وجنسيته ونوع مركبته والتعايش معه هو أمل يبتعد في كل سنة تغيبها سنة ضوئية. ولكن هؤلاء الشباب بحواراتهم الجميلة وأدبهم الجم وثقافتهم الحقيقية هم احدى بؤر الضوء الذي يزيدنا أملا في جيل نوعي اذا فشلنا في جيل واع متسق ثقافيا يحمل معاني الحضارة والمدنية.

كان نقاشي مع الأخوة عن ايجاد تفسير نفسي مقنع لاتباع عوام شبابنا السلوك الاجتماعي الخاطئ. لماذا يريد كل صاحب سيارة فارهة أن يمتلك الطريق لوحده، وتريد كل فتاة أن تتظاهر بأن لا أحد يشاركها الحياة؟ لماذا يغلق المهنئون في صالة أفراح الطرقات ويعتلون بسياراتهم الأرصفة تاركين المواقف المخصصة خالية تقريبا فقط كي لا يسيروا على أقدامهم خطوتين اضافيتين؟

لماذا يعيش الانسان الكويتي في الكويت متلذذا بجرح بلده ومواطني بلده ويعيش الانسان الكويتي في لندن أو باريس أو نيويورك مواطنا جميلا يستأذن بأدب حين يسأل شئيا ما أو عن شيء ما؟ كيف يستطيع أن يحقق هذا الانفصال النفسي وازدواجية السلوك بين أن يعيش مواطنا رجعيا في وطنه ومدنيا متحضرا خارج بلده.

لم أجد ردا من الإخوة في نقاشنا، ولم يستطع أحد أن يحدد سببا لذلك السلوك. اذا كان كل هذا يحدث والجميع يتباهى بنتاج الصحوة الاسلامية ومخرجات تعليمنا الجديد الذي سيطر عليه الفكر الديني والنشاط الديني وأصدقاء المساجد، فماذا سيحدث لو لم تكن هناك صحوة دينية ولحى أطول مما ينبغي؟

المطالبة بدولة مدنية ومؤسساتية ليست مطالبة عابثة وانما حاجة ملحة، واذا كان الأصدقاء يعتمدون على مدنيتهم وتحضرهم لممارسة حياتهم فعلى الآخرين أن يخضعوا لهيبة القانون للعودة الى الدولة المدنية والعيش فيها. عدا ذلك فسنرى في السنة القادمة ظاهرة تفوق ظاهرة الفلتان الأخلاقي الحالي.   

back to top