هل أصبحت مصر، هي مصر «المهروسة»، بعد أن كانت مصر المحروسة؟
الكاتب محمد عزام قال إن مصر أصبحت «مهروسة» بين حجري الرحى: المجلس العسكري، والإخوان المسلمون.فهل من جديد في هذا القول؟ألم نقل لكم ذلك منذ سنة ويزيد، ولكنكم لم تسمعوا منا إلا الآن، وبعد فوات الأوان؟!وذكرناكم ببيت الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة:أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النُصح إلا ضُحى الغدِألم نقل لكم في 28/ 5/ 2011 هنا على هذه الصفحة، وفي هذه «الجريدة»، وتحت عنوان: «مصر: هبوب نسائم الدولة الدينية»:نسائم أصبحت عواصفقلنا في منتصف عام 2011:«كُثرت التعليقات في الإعلام العربي والغربي عن بدء هبوب نسائم الدولة الدينية في مصر، وازدادت هذه التعليقات التي امتلأت بتلميحات إلى بدء هبوب هذه النسائم، عندما وجد الإعلام في الشرق والغرب، أن هناك ليونة سياسية ملحوظة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة تجاه الجماعات الدينية، وخاصة [جماعة الإخوان المسلمين] و[الجماعة الإسلامية]، التي تمَّ إطلاق سراح زعيميها طارق وعبود الزمر، والسماح لهما بالصعود إلى النجومية في الإعلام الحكومي والأهلي على السواء، وهما مجرمان وإرهابيان قاتلان لرئيس مصري سابق «أنور السادات». وسبق ذلك تقارير الصحافة الغربية عن وجود عدد لا بأس به من الضباط المنتمين إلى تنظيم [جماعة الإخوان المسلمين].الهوى الديني للمجلس العسكريوبعد ذلك، كشفنا للقارئ «الهوى الديني للمجلس العسكري» والذي تجلّى في بعض الصور التالية، ولكن لم يسمعنا أحد، وأوغل الموغلون في غيهم، ولكن يبدو أنهم استفاقوا الآن، ولكن بعد فوات الأوان.وقبل عام كامل من الآن قلنا:«قرأنا أسماء اللجنة التي قامت بتعديل بعض مواد الدستور (76، 77، 88، 93، و189) وإلغاء المادة 179 الخاصة بقانون الطوارئ، والتي كانت مكونة من عضوين من قادة الإخوان وهما: الأكاديمي عاطف البنا «المستتر»، وصبحي صالح «المنتشر»، عضو الكتلة الدستورية للإخوان، وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب 2005. ورئيس هذه اللجنة المستشار طارق البشري الذي كتب مقدمة كتاب القيادي الإخواني عبدالمنعم أبوالفتوح «شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984»، وقدم له بمقدمة تبجيلية. والمستشار طارق البشري، من الباحثين المصريين الذين اتجهوا أخيراً إلى المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، كما أصبح من كبار منظري «الإسلام السياسي»، ومؤلف عدة كتب دينية-سياسية، تدعو إلى تطبيق الشريعة الدينية، وقيام الخلافة الإسلامية منها: «الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي»، و«منهاج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي»، و«ماهية المعاصرة»، وكتابه الأخير: «الجماعة الوطنية: العزلة والاندماج»، وهو من أكثر كتبه وضوحاً في شرح، وتبني منهاج «الإسلام السياسي».ثم سمح المجلس الأعلى للقوات المسلحة للشيخ يوسف القرضاوي (المرجعية الفقهية العليا» لجماعة الإخوان المسلمين. وما زال عضواً فاعلاً في «الجماعة»)، بأداء صلاة الجمعة في ميدان التحرير. وكان الإخوان المسلمون قد دعوا القرضاوي لزيارة القاهرة بمباركة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم قاموا بتنظيم هذه الصلاة الدينية-السياسية. وقاموا بحراسة القرضاوي، طوال زيارته لميدان التحرير وللقاهرة. ولعب «الإخوان» دوراً كبيراً في حصول التعديلات الدستورية على أكثر من 70%، حين كانوا يسرون في آذان الناخبين المتدينين تديناً شعبياً بأن من سيقول «نعم» للتعديلات سيدخل الجنة، ومن سيقول «لا» سيدخل جهنم، حسب ما أفادت به الإعلامية سهير جودة، في برنامجها التلفزيوني «البيوت أسرار» 26 /5/ 2011.ظهور «حزب الحرية والعدالة»وكان «الإخوان»، أول من حصل على ترخيص بإقامة حزب جديد «الحرية والعدالة» بعد ثورة 25 يناير، وقالوا إن الحزب سياسي وليس دينياً، وأنا لا أفهم هذه العبارة أبداً، فالإخوان المسلمون منذ 1928 حتى الآن، وهم يعلنون، ويعملون كحزب ديني، وعُرفوا في العالم العربي والإسلامي على أنهم حزب ديني، يعمل في السياسة، ويطمح إلى السلطة دائماً، فما الذي يدفعهم إلى الخروج عن منظومتهم الدينية، غير إيجاد أسرع الطرق، وأسهلها، وأضمنها للوصول إلى السلطة؟«الرجوع الى الميدان فضيلة»!كان هذا موضوع الكاريكاتير الذي رسمه وليد طاهر في جريدة «الشروق» القاهرية، وهو يقول لنا عدة حقائق وإن لم ينطق بها، ولكننا نستنطقه بها، ومنها:1- أن التيار الديني قد أحكم الآن سيطرته على الشارع السياسي المصري، فأصبح الشارع هو الحاكم، وهو يمثل «حزب الانتقام»، الذي سبق أن كتبنا عنه وفيه، هنا في «الجريدة».2- أن «هوجة» العزل السياسي الذي ثار من أجله التيار الديني، وأدى إلى استبعاد مرشحين رئيسيين من مرشحي هذا التيار للرئاسة المصرية، «هوجة» رعناء لا مبرر لها. والدليل أن التيار الديني كان في عام 1962 ضد العزل السياسي، الذي أقرته اللجنة التحضيرية بقيادة عبدالناصر، وعارضه الراحل الشيخ خالد محمد خالد، كما هو ثابت في كتابه («دفاع عن الديمقراطية»، 1985). وسبب معارضة التيار الديني لذاك القرار في 1962، أنه عزل التيار الديني عن الممارسة السياسية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، ولكن ما إن أحسَّ التيار الديني أن من مصلحته إقرار قانون العزل السياسي لاستبعاد الخصوم من انتخابات الرئاسة، بحجة أنهم من قادة «الفلول»، حتى طالب بالعزل السياسي، ولكن، ما إن تبين للتيار الديني أن العزل السياسي قد أصابه في مقتل، بعزل اثنين من مرشحيه (خيرت الشاطر، وحازم أبو إسماعيل) حتى ثار، وانقلب مرة أخرى على قانون «العزل السياسي»، كما ثار عليه عام 1962. وها هم اليوم (الجمعة 20/ 4/ 2012) يحشدون مئات الآلاف من الأنصار في ميدان التحرير في القاهرة لمليونية «تقرير المصير»، أو أي شعار آخر، سوف يظهر لنا في اللحظة الأخيرة.3- يتبين لنا من هذا العرض السريع، أن التيار الديني كأي تيار سياسي آخر في العالم– وهذا من حقه ومقبول منه– يسعى بكل الطرق والوسائل إلى اقتناص كرسي الحكم، ولكن عليه أن يكون صريحاً وواضحاً أمام ناخبيه ومريديه الفقراء والبسطاء– وهم يشكلون أكثر من 80% من السكان– ويقول لهم حقيقة ما يجري وما يخفى، وهذا هو الفرق بين السياسيين الشرفاء والسياسيين الخبثاء!كما أن الاحتكام إلى الشوارع، والميادين، والجماهير «الغوغاء» من أخطر الأمراض الفتاكة التي تصيب الثورات في العالم، والحرك السياسي وتقتل الكثير من السياسيين، خاصة في ظل غياب الوعي، الذي يجب أن يسبق السعي. وها هي اليوم قد قتلت خيرت الشاطر، وحازم أبو إسماعيل، وثمانية من السياسيين غيرهم.* كاتب أردني
مقالات
قلنا لكم فلم تستبينوا إلا ضُحى الغدِ!
25-04-2012