عاد موضوع الدوائر الانتخابية (تقليص عدد الأصوات هذه المرة) ليحتل صدارة النقاشات السياسية وكأنه قضية القضايا التنموية والمصيرية، وهو ما يعني عملياً أننا لا نزال ندور في الحلقة المفرغة ذاتها التي أرهقت وطننا لسنوات طويلة.

Ad

 وكأن الحكومة المهيمنة على مصالح الدولة قد أدمنت إعادة إنتاج مشكلاتنا العامة بصيغ مختلفة؛ بدلا من العمل على تلبية احتياجات الناس وتطلعاتهم، ومعالجة المشاكل العامة التي تواجههم للدرجة التي أًصبح معها تكرار الحديث الممل في المواضيع ذاتها المتعلقة بالشأن المحلي أمراً عادياً؛ مع ما يعنيه ذلك من هدر للجهد والوقت في قضايا ثانوية يفترض أننا تجاوزناها منذ سنين.

عاد موضوع الدوائر الانتخابية، وكأننا لا نعيش في فراغ دستوري غير مسبوق مضى عليه حتى الآن قرابة أربعة أشهر، رغم أن حكم المحكمة الدستورية الذي أبطل مجلس 2012 لم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى عدم دستورية قانون الانتخابات، بل إن الحكم ركز على الخطأ الإجرائي في حل مجلس 2009 الذي كان من المفترض أن يصحح وينتهي الأمر.

 عاد موضوع الدوائر مع الحديث هذه المرة عن "مرسوم ضرورة" لتقليل عدد الأصوات الانتخابية رغم أن حكم المحكمة الدستورية الأخير قد حصّن القانون رقم 42/2006 من الطعن بعدم الدستورية، وهو العذر الذي بررت فيه الحكومة طعنها ووعدت بالالتزام بما تقرره المحكمة الدستورية لكنها لم تلتزم به حتى الآن.

 إذ إنها، كما يبدو، تحاول العبث بالنظام الانتخابي (تقليل عدد الأصوات) من خلال "مرسوم ضرورة" لا ينطبق عليه ما قررته المادة (71) من الدستور، حيث إن ذلك استثناء له ضوابط ومحددات واضحة أو ما قضى به حكم "الدستورية"، وهو الأمر الذي يؤكد ما قلنا سابقا بأن الهدف من كل هذه المسرحية السمجة المستمرة حتى الآن هو التحكم بنتائج الانتخابات، وهو ما اتضح  حتى لأغلبية الأطراف السياسية التي وقفت مع طعن الحكومة.

لهذا فإنه من المتوقع أن يؤدي العبث الحكومي بنظام التصويت إلى تشكيل كتلة معارضة سياسية واسعة شبيهة بما تم أثناء انتخابات "المجلس الوطني" غير الدستوري، وهو الأمر الذي سيترتب عليه لا محالة انتقال الصراع السياسي من صراع صحي ضمن الأطر الدستورية بين الحكومة، وما يسمى "المعارضة" إلى صراع مباشر بين السلطة والشعب، فهل هذا هو ما تريده الحكومة والأطراف المتنفذة صاحبة المصالح الخاصة غير المشروعة التي تشجعها على العبث بالنظام الانتخابي؟! بل الأهم من ذلك هل هذا هو ما يحتاجه البلد في هذا الوقت؟!