يبدو أننا جميعاً في الكويت نركب "مترو الأوهام" كمشروع مترو الكويت السرابي، الذي يُتداوَل بشأنه منذ سنوات طويلة وتُصرَف الملايين "على حسهِ" تحت بند الدراسات والمخطط الهيكلي ودراسة الجدوى ووضع وثائق تأسيس الشركة التي ستديره!... حالة الوهم في الكويت يتشارك في خلقها الجميع، من حكومة وبرلمان وقوى سياسية، وينطلق "مترو الأوهام" الكويتي هذا في هذه الحالة الخيالية بلا هدى ولا دليل، ولا أحد يعلم أين وجهته النهائية، وهل سيصلها أم سيتهشم في حادث هائل ينهي رحلته العبثية؟ وهذه الحالة هي نتاج طبيعي لفشل الإدارة العامة للدولة، وسراب الخطة التنموية وما تحتويه من مشاريع معطَّلة مثل جسر جابر والمدينة الجامعية ومعبد الأوهام الكبير ورمزه استاد جابر الدولي، ومدينة الحرير السرمدية.
وكما تبيع الحكومة الوهم لنا فإن أغلبية النواب الحاليين والقوى السياسية باعوا الوهم كذلك للشعب الكويتي في ساحة الإرادة مؤخراً، عندما وعدوا بمستقبل زاهر يسوده الإصلاح ومعالجة أساس الفساد السياسي، كما شخصوا الحالة هم أنفسهم وأسقطوا المجلس السابق بسببها، وهي النزاهة والذمة المالية للسياسيين والقياديين، وبدل أن يقروا قوانين مستعجلة لهذا الغرض وضعوا أولويات مختلفة وذهبت وعودهم بعد الانتخابات أدراج الرياح، وساقوا الحجج لتبرير عدم تعاملهم مع السبب الرئيسي لحل مجلس الأمة السابق والمتعلق بالذمة المالية لبعض النواب، بل إنهم زادوا الوضع سوءاً بأخذهم البلد إلى المجهول عندما حولوا قاعة عبدالله السالم إلى مكان للتحريض الطائفي وتصفية الحسابات السياسية عبر اللجان التحقيقية لقضايا جُلّها منظور أمام القضاء، وأضحت الكويت على شفا مواجهات دموية بعد التوتر الطائفي المستعر الذي أوصله ذلك التحريض المستمر إلى مرحلة التصادم الفعلي، والتشريعات الظلامية المتلاحقة، التي ستصل بنا إلى مرحلة محاكم التفتيش في العصور الوسطى.وفي حياتنا العادية، التي نعايش فيها حالة الفوضى والزحام المروري القاتل يومياً ونتعذب فيهما، نتذكر "الوهم" عندما يخطر ببالنا مشروع مترو الكويت الذي أقره مجلس الوزراء في أكتوبر 2004، ومازال يتنقل من شركة إسبانية استشارية إلى المخطط الهيكلي، وأخيراً إلى شركة أميركية عبر وكيلها الكويتي الذي وقّع عقداً استشارياً بملايين الدولارات، ومازال المشروع لم يتخطَّ مرحلة الورق منذ ثماني سنوات. وتصاب بحالة من القهر عندما تعلم أن مترو دبي لم يستغرق للاستشارة والتخطيط والتصميم سوى عامين عبر إحدى الشركات السويدية، ثم طُرِح المشروع للتنفيذ وأصبح منذ سنوات واقعاً على الأرض، وكذلك قطار الحرم المكي، بينما مازال مشروعنا عند "ربع" الجهاز الفني لدراسة المشروعات التنموية والمبادرات "يُحلَب" بعقود الاستشارات ودراسات الجدوى المليونية، قبل أن تبدأ المنازلات الكبرى في لجنة المناقصات المركزية للصراع بين "الكبار" للفوز بالمشروع، وهو ما سيجعل تنفيذه سراباً يلاحقه أحفادنا من بعدنا!البلد للأسف يعيش في عالم خيالي محبِط وكئيب، تتبادل فيه أطراف عديدة بيع الوهم للشعب الكويتي، ويخوض طريقه في ذلك العالم المزري "مترو الأوهام" الكويتي مضطرباً لعله يجد مَن يخرجه من سكة الندامة إلى سكة السلامة بركابه الكويتيين الذين يركبونه عنوة وبلا حول ولا قوة، ويريدون مغادرته في أسرع وقت ممكن إلى قطار التنمية الواقعي الآمن، الذي يقوده الأكفاء المخلصون بعد أن ملُّوا بائعي الأوهام وأصحاب المشاريع الخاصة على مدى الثلاثين عاماً الماضية.
أخر كلام
مترو الأوهام الحكومي - النيابي
22-04-2012