فجر يوم جديد: وحيد عصره وزمانه

نشر في 13-07-2012
آخر تحديث 13-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 مجدي الطيب مفارقة مثيرة بكل تأكيد أن يفوز الكاتب الكبير وحيد حامد بجائزة النيل في مجال الفنون لعام 2012، قبل ساعات من احتفال تلامذته ومحبيه ومريديه بعيد ميلاده الثامن والستين، وأن ينتزع الجائزة من قائمة ضمت منافسين لهم ثقلهم الثقافي، واعتبارهم الفني، مثل: د. أحمد نوار، د. صالح رضا، د. إسماعيل سراج الدين، الفنان عز الدين نجيب، والفنان محمود رضا.

أما النقطة الأكثر إثارة فتتمثل في أن حامد فاز بالجائزة في ظل صعود التيار الإسلامي، وتربعه فوق سدة الحكم، وهو الذي لم يفز بها في ظل نظام اتهم بممالأته، ومحاباته، والتستر على أخطائه!

لا يعني هذا بالطبع أن «التيار الإسلامي» هو الذي منحه الجائزة في محاولة لاتقاء شر كتاباته أو السعي إلى احتوائه، لكنها المصادفة القدرية وحدها؛ فالكاتب الذي لم يبدع فيلماً أو مسلسلاً تلفزيونياً من دون أن يصيبه رذاذ سُباب أو شظايا نباح، ظل صامداً بقوة في وجه تيار شديد البطش بمعارضيه، ومن «موقعة سينمائية» إلى «مساجلة فكرية» بدا وكأنه في سباق «قفز الحواجز» بل في حرب «تكسير عظام» أراد البعض أن يجعل منه ضحية لها بتكرار الاتهام السخيف بأنه يكتب بأمر «النظام»، ويفكر بتعليمات من «الأمن». لكن السهام التي طاردته لم تفت في عضده، وظل على «إيديولوجيته»، ولم يتراجع أبداً عن موقفه وقناعاته.

وحيد حامد هو كاتب أجمل أفلام النجم عادل إمام التي حملت عناوين: «اللعب مع الكبار (1991)، المنسي (1993)، الإرهاب والكباب (1994)، طيور الظلام (1995)، النوم في العسل» (1996)، والتي تخيل «إمام» أن نجاحها يرجع إليه وحده، فاتخذ قراراً بالانفصال عن حامد والمخرج شريف عرفة، فما كان من أسهمه سوى أن تراجعت كثيراً فيما احتفظ حامد ببريقه وحيويته واستقلاليته ككاتب شديد البأس، يتبنى أفكاراً تقدمية، وينحاز إلى هموم الواقع، ويستشرف آفاق المستقبل، كما فعل في أفلام : {التخشيبة»، «البرئ»، {الدنيا على جناح يمامة» و{كشف المستور»، التي أبدعها مع المخرج عاطف الطيب، وتحولت إلى بصمة فنية في رصيدهما.

يلفت النظر في مسيرة الكاتب الكبير وحيد حامد أن أفلامه تحتمل أكثر من قراءة، وأنها لا تموت بالتقادم، كأفلام كثيرة ولدت ميتة؛ فعلي أكثر من قناة فضائية يتم اكتشاف جوانب في أفلامه كانت خافية على الكثيرين عند عرضها الأول. ومع كل عمل تتجلى جرأته، وقدرته على «كشف المستور» في زمن التزم فيه الجميع الصمت، ولم يجرؤ واحد منهم على الإعلان عن موقفه أو رأيه!

يفعل وحيد حامد ذلك من دون إدعاء بطولة أو غطرسة زائفة أو عنجهية من أي نوع، وإنما بتواضع الواثق، وزهد المبدع الحقيقي الذي لا يستهدف منصباً ولا يلهث وراء مغنم، بدليل أنه الوحيد، تقريباً، من بين الكتاب والمبدعين المرموقين الذي لم يتبوأ منصباً، ولم ينضم إلى لجنة تكافئ من ينضم إليها، ويواظب على حضور جلساتها، بالبدلات الباهظة والمخصصات الضخمة، وكما هي حال أبطال أعماله لم يرض عن الحرية بديلاً، وظل على عناده، وإصراره على أن يكون مستقلاً، ولهذا السبب تصدى، بحنكة وخبرة لإنتاج عدد كبير من أفلامه، في وقت اتجه فيه نجوم كُثر إلى الاستثمار في المطاعم والعقارات واستصلاح الأراضي.

اهتم وحيد حامد بـ «شحذ العقول» بينما ركز آخرون اهتمامهم على «تسمين العجول»، لذا طاردته الهموم وأثقل كاهله خوفه الدائم على الوطن، وما يُحاك ضده من شرور ومؤامرات، فاعتل قلبه وخضع لأكثر من جراحة، وجاءت جائزة «النيل»، التي تُعد واحدة من أرفع وأثمن الجوائز، ليس بقيمتها المادية التي تبلغ 400 ألف جنيه، وإنما لاعترافها، ومن يمنحها، بقيمة ومكانة من يحصل عليها، لتخفف وجع القلب المعتل. لكنها لن تُشفي، في ما نظن، الجرح الذي نزف طويلاً، ولا يبدو أنه سيندمل قريباً في نفس وحيد حامد، الذي هاله ما يشاهده من تحولات ومتغيرات يخشى أن تأتي على الأخضر واليابس فاغتمَّ لحظة وتكدّر لحظات ولكن شعور اليأس لم يتملكه أبداً، لثقته المطلقة في أن سنوات عمره التي أفناها في الإبداع والتنوير والمواجهة، لن تضيع هباء، وأن رسالته لا بد من أن تصل إلى «من يهمه الأمر»... وهو الأمل الذي يعيش عليه «وحيد» عصره وزمانه!

back to top