ما يطلق عليه لدينا «كتلة الأغلبية» ليس سوى عدد من النواب غير المتجانسين فكرياً أو سياسياً، ولا يربطهم برنامج سياسي معين يعارضون الحكومة بناء عليه، بل إن «الكتلة» ذاتها تضم مجموعة من الكتل البرلمانية بالإضافة إلى بعض المستقلين، والرابط الوحيد والأكيد بينهم هو معارضتهم لرئيس الوزراء السابق.

Ad

هناك إشكالية كبيرة في استخدام بعض المصطلحات والمسميات تصل في أحايين كثيرة إلى درجة تشويهها وتزييفها، فما هو متعارف عليه عالمياً من مصطلحات علمية وسياسية نجده يستخدم محلياً بشكل مغاير، فالتنمية لدينا هي ترميم إسمنتي لبنى تحتية مهترئة وليست عملية متكاملة وشاملة هدفها ومحورها الأساسي هو الإنسان، والديمقراطية لدينا هي إجراءات ورقية شكلية وصناديق اقتراع فقط لا مبادئ وممارسة حياتية وقيمٌ سامية على رأسها قضية الحريات.

هذا التشويه في استخدام المصطلحات وصل، مع كل أسف، إلى عمل مجلس الأمة، فكثيراً ما تستخدم مسميات سياسية ومصطلحات مشوهة لا علاقة لها بالعمل البرلماني الحقيقي. خذ، على سبيل المثال لا الحصر، ما يطلق عليه "كتلة الأغلبية" و"كتلة الأقلية"، وتعال نبحث في مفهوم كل منهما في الدول الديمقراطية ومدى صحة استخدامهما محلياً؛ كتلة الأغلبية، في الأنظمة البرلمانية هي التي تشكل الحكومة بينما تكون الأقلية هي المعارضة مثلما هي الحال، مثالاً لا حصراً، في بريطانيا حيث تشكل الأقلية "حكومة الظل"، أما في الأنظمة الرئاسية كما هو في الولايات المتحدة أو فرنسا، فقد تسيطر كتلة الأغلبية أحياناً على الكونغرس أو الجمعية الوطنية، وهو ما يمثل تحدياً للرئيس وقد يفرض عليه تقديم بعض التنازلات السياسية كي يستطيع إقرار بعض المشاريع التي لا توافق عليها المعارضة... ماذا لدينا؟!

ما يطلق عليه لدينا "كتلة الأغلبية" ليس سوى عدد من النواب غير المتجانسين فكرياً أو سياسياً، ولا يربطهم برنامج سياسي معين يعارضون الحكومة بناء عليه، بل إن "الكتلة" ذاتها تضم مجموعة من الكتل البرلمانية بالإضافة إلى بعض المستقلين، والرابط الوحيد والأكيد بينهم هو معارضتهم لرئيس الوزراء السابق، وقد رأينا بوادر الخلافات في ما بين مكونات الكتلة أثناء عملية التصويت على بعض مشاريع القوانين مثل "المدينة الطبية"، وفي الاستجوابات التي لوح بها بعض من هم محسوبون عليها من الأعضاء، ناهيكم عمّا يطرحه بعض أطرافها من قضايا خلافية في المجتمع مثل "قانون الحشمة" أو تعديل المادة (79) من الدستور التي لا نرى داعياً لطرحها من الأساس سوى إشغال الناس في خلافات جانبية تستهلك وقتهم وجهدهم، وتلهيهم عن قضايا الإصلاح السياسي والديمقراطي الأساسية، خصوصاً أن الدستور لا يمنع أسلمة القوانين.

الأمر ذاته ينطبق أيضاً على ما يسمى "كتلة الأقلية" التي تتكون من عدد قليل من الأعضاء أغلبهم كان يستميت في السابق في الدفاع عن كل ما كان يفعله أو يطلبه رئيس الحكومة السابق، ولا يوجد بينهم أي توافق فكري أو سياسي البتة، بل إن كل ما لدى هذه "الكتلة البرلمانية" الآن هو "معارضتها" بأي شكل من الأشكال لأي شيء تطرحه "كتلة الأغلبية" أو يصدر عنها حتى لو شكلت هذه المعارضة خروجاً على الأعراف البرلمانية أو اللائحة الداخلية للمجلس أو الدستور، أي أنها ليست أقلية برلمانية معارضة للحكومة كما هو الوضع المتعارف عليه عالمياً، بل إنها "أقلية معارضة للنواب الآخرين"، وهو ما رأيناه واضحاً وجلياً منذ بداية دور الانعقاد الحالي، الأمر الذي سينعكس سلباً على أداء مجلس الأمة ككل والخوف، كل الخوف، أن تضيع القضايا الرئيسة التي ينتظرها المواطنون بفارغ الصبر، وعلى رأسها قضايا الإصلاح السياسي والديمقراطي، بين "حانا الأكثرية" و"مانا الأقلية"!