فجر يوم جديد: بلد الأخضر.... وجميلة
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
أنتج فيلم «جميلة» عام 1958، وشارك في كتابته عبد الرحمن الشرقاوي، علي الزرقاني ونجيب محفوظ. ولم يكتف برواية «قصيدة نضال» مجاهدة اسمها «جميلة»، إنما رصد «قصة كفاح» الشعب الجزائري بأسره ضد الاحتلال الفرنسي، لذا قوبل الفيلم باستحسان وإعجاب كبيرين، حتى إن أحداً لم يلتفت مطلقاً إلى أي «هنات فنية» ارتكبها شاهين، كونه صاحب هدف ورسالة بأكثر من مخرج طامح لاستعراض «عضلاته الفنية». في العاصمة قال لي مرافقي الجزائري إن «جميلة» آثرت التزام الصمت واعتزال الأضواء، وزهدت في المناصب الكثيرة التي كانت تُعرض عليها من رؤساء الجمهورية المتعاقبين، وزادت على هذا بأن فرضت على أولادها الابتعاد عن الاقتراب من السلطة، وعدم الاستسلام لغوايتها، وهو ما تم العمل به بشكل حرفي. لكن صديقي لم يستسغ ما تردد يوماً عن استغاثة أرسلتها «جميلة» إلى الشعب الجزائري تُطالبه من خلالها بالتدخل لعلاجها وإعانتها على المعيشة، بعدما تخلت الجهات الرسمية في الدولة عنها، وقال لي بغضب: «الجزائر لا تأكل أولادها، وأنظر إلى ما فعلته الدولة مع المطربة «وردة» التي عاشت حياتها بعيداً عن الجزائر، ولحظة أن وافتها المنية، أمر «الرئيس» بإرسال طائرة خاصة لنقل جثمانها إلى مسقط رأسها». لا يعرف أحد حتى هذه اللحظة كيف ولماذا تحول اسم «جميلة بو حيرد» إلى «جميلة بو حريد»، كما صار ينطق به العامة وأهل الصفوة والنخبة على حد سواء، وأغلب الظن أن البعض صعب عليه نطق اسم «بو حيرد» بينما كان من السهل نطق اسم «بو حريد»، وكانت النتيجة أن نسي الجميع، إلا الجزائريون بالطبع، الاسم الأصلي للمجاهدة الكبيرة التي صارت نموذجاً للمرأة العربية عندما تريد أن تُعلن عن نفسها. في «بلد المليون شهيد»، أدركت أن اسم «لخضر حمينة»، كما ينطقونه هناك، مثار فخر واعتزاز كونه أول سينمائي عربي يفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان»، الأكبر بين مهرجانات السينما في العالم. لكن دائرة من يعرفون حجم ومكانة صاحب «وقائع سنوات الجمر» و{ريح الأوراس» ظلت مقصورة على المثقفين، والسينمائيين طبعاً، ربما لأن أبناء الجيل القديم لم يروا في «ريح الأوراس» مواصفات «سينما الجهاد ضد الاحتلال»، كما يعرفونها واعتادوا عليها. وربما لأن أبناء الجيل الجديد من الجزائريين صار مقطوع الصلة بالسينما عموماً، وهي الظاهرة التي يمكن رصدها بسهولة في الشارع الجزائري؛ فعلى رغم إصرار الدولة، ممثلة في وزارة الثقافة، على استمرار مهرجان «وهران» السينمائي وتوفير الإمكانات التي تدعمه وتضمن قدرته على منافسة المهرجانات السينمائية العربية، إلا أن الظاهرة التي لا ينفرد بها مهرجان «وهران» لأنها تمثل «قاعدة» في كل المهرجانات العربية أن ثمة انفصالاً واضحاً، ومكروهاً، بينه وبين رجل الشارع؛ فالضيوف يتحاورون والسينمائيون يلتقون وإدارة المهرجان تبدو حريصة على انتظام برنامج العروض، لكن سخونة الفعاليات والأحداث لا تتجاوز، كعادة المهرجانات العربية، قصر المهرجان وصالات العرض، ولا تصل مطلقاً إلى الجمهور المستهدف! لهذا السبب لم أشعر، طوال فترة إقامتي في الجزائر، بأن السينما تحتل جزءاً، ولو ضئيلاً، من اهتمامات الأشقاء الجزائريين، ليس لرغبة في الانكفاء على الذات أو لأن اهتمامهم منصب على «لقمة العيش»، والتطلع إلى مستقبل أفضل، بل لأن الجيل الجديد من السينمائيين الجزائريين فقد التواصل مع واقعه، وصارت الغالبية منهم تأمل في فرصة تُرضي بها الجمهور الغربي بأكثر مما تسترضي الشعب!