-1-
استكمالاً لموضوعنا السابق في الأسبوع المنصرم بخصوص الانتخابات الأميركية، وولاية أوباما الثانية. هنا، مقال هذا الأسبوع، تكملة، لما لم تتسع له المساحة المخصصة للمقال الأسبوعي.وكما أن الشيء بالشيء يُذكر، فلا بُدَّ من ذكر خطأ اليابانيين في 1941.فكما أخطأ اليابانيون خطأً عسكرياً واستراتيجياً فادحاً في 1941 بضرب "بيرل هاربر" الأليم للعنفوان والكرامة الأميركية، وكان ذلك سبباً رئيسياً لدخول أميركا الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية والفاشية واليابان، فقد أخطأ العرب كذلك في كارثة 11 سبتمبر 2001 في ضربهم لنيويورك وواشنطن.وكما لم تستفد اليابان من كارثة "بيرل هاربر"، بل خسرت مليون ضحية في 1945 في هيروشيما وناغازاكي بين قتيل وجريح ومشوه كعقاب، وخسرت الحرب، ووقع عليها الاحتلال الأميركي، فكذلك خسر العرب نتيجة لكارثة 11 سبتمبر في أفغانستان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، ومناطق أخرى.-2-وكما اعتُبرت كارثة هيروشيما وناغازاكي رد فعل انتقامي للكرامة الأميركية المجروحة في "بيرل هاربر" 1941، كذلك كانت الحرب على العراق- كبش الفداء السمين- في 2003.فكارثة ككارثة 11 سبتمبر، لا يفتديها إلا كبش سمين كـ"عراق صدام". ولو لم يوجد "عراق صدام" لما وجدت أميركا في العالم العربي كبشاً سميناً، يستحق أن تفتدي به كارثة 11 سبتمبر كـ"عراق صدام". وكما جَرَّت اليابان- من حيث تعلم، أو تجهل- أميركا إلى خوض الحرب العالمية الثانية، وهزيمة النازية وحليفتها اليابان، فقد جَرَّ العرب كذلك أميركا إلى خوض معركة الديمقراطية بالسلاح في العالم العربي، واحتمال هزيمة الأنظمة الدكتاتورية العربية.-3-صحيح أن أميركا كانت تنوي خوض معركة الديمقراطية في العالم العربي بالطرق الدبلوماسية والمعرفية، قبل كارثة 11 سبتمبر، لنشر السلم الأهلي في الشرق الأوسط، حماية لمصالحها الحيوية في هذه المنطقة.وكان "المحافظون الجُدد" يخططون لـ"الشرق الأوسط الكبير" قبل هذه الكارثة، ومنذ عهد ريغان، وبوش الأب، ولكن أميركا أُجبرت على خوض هذه المعركة بالدم، بدلاً من الحبر، وبالصواريخ، بدلاً من البعثات السياسية الدبلوماسية، بعد هذه الكارثة، وانتقاماً للكرامة والعلياء الأميركية المجروحة جرحاً عميقاً.كذلك، فإن ما كانت تقوم به بعض الحركات الدينية المتشددة من أعمال إرهابية في العراق، تحت شعار مُلتبس وهو "المقاومة"، وتشمل قتل المدنيين، والنساء، ورجال الشرطة، والحرس الوطني، وموظفي الدولة، وأساتذة الجامعات، والصحافيين، ونسف مرافق المياه والكهرباء، وتفجير أنابيب وخزانات وصهاريج البترول، وخطف المدنيين، عمَّق الحفرة العراقية للتورط الأميركي فيها، وأعطته المبرر الكافي للبقاء مدة أطول في العراق. ولكن رغم هذا كله، فقد أصرَّت "الإدارة الديمقراطية" الأميركية على الانسحاب من العراق، قبل نهاية 2011، وقبل الموعد المحدد في اتفاقيات سابقة.-4-وفي بعض الأدبيات العربية، اعتُبرت الحرب الأميركية على "طالبان" و"القاعدة" حرباً أميركية، ليست ضد "حكم القرون الوسطى"، ولكنها حرب على العرب جميعاً، بل على الإسلام نفسه. وبرز شعار "صراع الحضارات" بقوة في العالم العربي، وهو في واقع الأمر "صراع جهالات"، كما قال الراحل إدوارد سعيد. ثم بالحرب على العراق 2003 التي فجّرت العداء الإسلامي لأميركا، واعتُبرت ليست حرباً ضد الدكتاتورية العربية، ولكنها حرب متواصلة ضد الإسلام. وجعلت من أميركا "الشيطان الأكبر" لدى المسلمين. وازدادت كراهية الأنظمة العربية لأميركا، إلى جانب كراهية الشارع العربي السابقة والحالية لأميركا، عند إعلان الإدارة الأميركية في ولاية الرئيس بوش الأولى والثانية (2000-2008)، أن أميركا ستقود الطريق إلى التغيير والديمقراطية في الشرق الأوسط، وتتحدى الأنظمة الدكتاتورية كافة في العالم العربي، وترغمها على فعل ما لا تريده، وترغب فيه. وأمثلتها البارزة التي ظهرت بعد غزو العراق 2003:1- التسابق نحو الدعوة الصادقة والكاذبة تجاه الإصلاح السياسي.2- اللين والتسامح مع المعارضة من قبل الأنظمة العربية.3- التخلي عن أبحاث ومختبرات أسلحة الدمار الشامل.4- الالتفات إلى حقوق المرأة السياسية والاجتماعية.5- إجراء الانتخابات، والموافقة على مراقبة الانتخابات من قبل هيئات دولية.6- الانسحاب السوري من لبنان، وتعديل مواد الدستور لتسمح بالمنافسة السياسية الشفافة على منصب الرئاسة.7- وأخيراً، إطلاق يد منظمات حقوق الإنسان المغلولة سابقاً.-5-دأبت الأدبيات السياسية العربية الحالية، سواء كانت من التيارات الدينية، أم من التيارات القومية، على وصف الوجود الأميركي في الشرق الأوسط ، بأنه غارق في "المستنقع العربي" الموحل والمليء بالزواحف القاتلة، ومن الصعب على أميركا الخروج منه بسهولة، إلا بعد أن تدفع ثمناً غالياً من جنودها القتلى، وملياراتها المهدورة، وآلياتها المعطوبة. ويشارك في هذا الرأي وهذا التحليل، كثير من المثقفين الأميركيين والأكاديميين الذين يكتبون في الدوريات الفصلية الأميركية الرزينة، ويلقون المحاضرات والأحاديث في المنتديات الثقافية والإعلامية من أمثال كينيث بولاك Pollack صاحب كتاب "الرأي العام العربي" المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، والعضو في "معهد دراسات الشرق الأدنى"، وبيتر واتسون Watson الذي كتب بحثاً عن "الضياع في مستنقع الحداثة"، وصاحب كتاب "الجمال المخيف: تاريخ الناس والأفكار التي شكّلت العصر الحديث"، والكاتب اليساري المعروف نعوم تشومسكي وغيرهم. وهؤلاء وغيرهم، يردون على وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد وخطته العسكرية السابقة المُسمَّاة "تجفيف مستنقعات الإرهاب" Draining the Swamps. وهي الخطة التي من أجل تحقيقها جهزت أميركا حملاتها العسكرية على أفغانستان والعراق (2001- 2003).فمن الذي سقط في فخ هذه المستنقعات: الإرهاب، أم مَن جاء ليحارب، هذا الإرهاب؟-6-أُطلق على الوجود الأميركي في العراق خصوصاً "المستنقع العراقي"، في حين نجا الأميركيون إلى حد ما- بفضل حكمة وحنكة أوباما- على ما يبدو من "المستنقع الأفغاني" الذي سبق أن وقع فيه السوفيات (1979- 1989) وغرق فيه 300 ألف جندي منهم، وخسروا فيه أكثر من عشرة آلاف جندي. وأدى وقوع السوفيات في هذا المستنقع إلى تدهور الاقتصاد السوفياتي، وعدم تمكنه من تحمّل نفقات حرب كبيرة خارج حدوده، ومعارضة الجنود السوفيات للحرب، وظهور موجات من المعارضة لهذه الحرب داخل الاتحاد السوفياتي، ووصول غورباتشوف إلى الحكم في عام 1985 الذي كان ضد هذا الغزو.(وللموضوع صلة).* كاتب أردني
مقالات
لماذا كنّا واليابانيين في النوازلِ "شرقا"؟
21-11-2012