رحلتي الأخيرة إلى شمال لبنان حيث اللاجئون السوريون كانت رحلة من نوع متجدد. كانت رحلتي الأخيرة إلى لبنان للبحث عن اللاجئين ومساندتهم في 2006 بعد العدوان الصهيوني على الجنوب اللبناني، كجزء من حملة شعبية كويتية للتضامن مع الشعب اللبناني. وهكذا، شمال أو جنوب، لا فرق يذكر، إلا اختلاف الظروف، فلا فرق بين نازح لبناني من الجنوب، وبين لاجئ سوري فر إلى لبنان أو الأردن أو تركيا. النتيجة هي معاناة إنسانية ولجوء أو نزوح الآلاف من البشر دون توقف. تقول الإحصائيات إن تدفق اللاجئين السوريين يتم بمعدل 250 لاجئاً يومياً، وهناك قرابة الـ90 ألفاً في الأردن، و16 ألفاً في تركيا، و14 ألفاً في لبنان. ومن المتوقع فيما لو فتح النظام السوري حدوده أو خفف من قبضته أو ألغامه، أن يزداد العدد بسرعة إلى نصف مليون، وبالذات في لبنان، في شمالها؛ عكار وحواليها، فإن حدث ذلك فإننا أمام مأساة إنسانية مرعبة، فالوضع حسب مشاهداتي بائس كما هو حالياً، فما بالنا مع زيادة مذهلة للاجئين.

Ad

الطريق من بيروت إلى عكار كله ذكريات حرب من هذه السنة أو تلك، كان آخرها مخيم نهر البارد، وربما حتى جبل محسن وباب التبانة، أو ذلك الجسر الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية سبع مرات، أو حتى قلعة المسيلحة القديمة التي استخدمتها القوات السورية كسجن قبل انسحابها من لبنان. بين كل خطوة وأخرى، وخلف كل تلة، تطل عليك الحرب، وترغمك على التعامل مع الحرب كوضع طبيعي في هذا البلد، الذي لا يكاد يخرج من حرب حتى يدخل أخرى.

حكاية اللاجئين السوريين في لبنان، حكاية لم يدركها الناس بعد، وخصوصاً في الشمال، الذي تدل ملامحه على حالة الانكسار الاقتصادي وضعف القدرة. تجولت باحثاً عن الحقيقة فوجدتها بسهولة، دون تعب يذكر، في وجوه الأطفال والنساء وكبار السن. صورة مكررة شاهدتها في الصومال والعراق وأفغانستان والمخيمات الفلسطينية وغيرها. هي ذات النظرات المحدقة بأمل لا يأتي، بل يتكرر في مسارات العيون الغائرة، التائهة في تضارب الأشياء التي لا تتجدد.

بين روسيا وسوريا، آلاف الكيلومترات، ولكنها لمحض الصدفة متشابهة في الحروف، تختلفان فقط بترتيب حروف وتغيير مراكز، ومصالح قاتلة على رؤوس الأشهاد. أما سوريا ولبنان، فبينهما عدة أمتار، ولا تشابه في الحروف على الإطلاق، بل مصير مشترك أو مشترك في عصر الألم الأبدي، ألم بعيد بعد كرامة الإنسان، وقريب قرب الحقيقة العارية التي لا يمكن إخفاؤها.

سنكون هناك مرة أخرى قريباً، عسى أن نخفف شيئاً من ألم، أما الصورة الكبرى فيديرها وينفذها القساة دون ذرة إحساس.