بعد قيام "حدس" بعزل أعضاء الحركة الذين سيرشحون أنفسهم لمجلس الـ"زامبي"، تحرك المنبر الديمقراطي وفعل الأمر نفسه، والدور الآن أن يبادر التحالف الوطني بعزل أي عضو فيه سيشارك في المجلس الوطني القادم، الإجراءات التي قامت بها "حدس" و"المنبر" في رفض الأعضاء الخارجين عن توافق الأكثرية بالتنظيمين مسائل مستحقة، فالمشاركة في تلك الانتخابات لا تعني سوى الرضوخ للاستفراد السلطوي في شكل وتوجه المجلس القادم، حين تصبح الفكرة الديمقراطية من أساسها رهينة إرادة السلطة الواحدة تقرر اليوم شكل البرلمان القادم في نوعية الأعضاء المشاركين، وتملي بالتالي قرارات هذا المجلس، وذلك المجلس المسلوب الإرادة لن يكون في أحسن أحواله، وكما كررت أكثر من مرة، سوى صدى للرأي الحكومي، ومرايا عاكسة لشيوخه ووزرائه المحترمين، وإذا قرر نواب الحكومة القادمون ارتداء البشوت السوداء فسيكون مجلسهم صورة طبق الأصل للوجه الحكومي، يمكن أن يستعملوا تلك الصور الفوتوغرافية للمعاملات الرسمية، كاستخراج جوازات السفر ورخص القيادة... وغيرها.

Ad

لا أشكك اليوم في صدق نوايا الكثير من الذين قدموا أنفسهم قرباناً للشرعية المصطنعة في المجلس القادم، لهم رأيهم ولهم حقهم المطلق أن يجتهدوا في تفسيرهم في "منافع" الصوت الواحد. إلا أن هذا لن يمنع أن أهمس في آذانهم بأنكم واقعون تحت وهم كبير، فالمحسوبون منهم على الحركة الوطنية يرون أن هذه فرصتهم الكبيرة في "الإصلاح"، أي إصلاح أبواب الحريات المهشمة والتنمية البشرية المنسية التي (يرون ولا أرى معهم) سببها "مناكفات" الأعضاء المشاغبين لحكومات "الشيوخ" بالحق وبالباطل، مع ملاحظة أن كل حكوماتنا، ومنذ ولادة الدولة الدستورية قبل خمسين عاماً حتى اليوم وغداً، هي حكومات شيوخ شكلاً ومضموناً. هذا الوهم المهيمن على وعي الأصدقاء سيتبدد تماماً أمام الأمر الواقع، أمر حكومة "الحكومة" التي تقرر وتفعل في القضايا الكبيرة منفردة، وبقية الوزراء الشعبيين دورهم "ربر ستامب"، أي حملة أختام، وهذا الواقع يملي علينا أن نقرر أن هذه السلطة مع مجلسهم ستمرر قضاياها الضخمة كالسكين في قالب الزبدة.

كتب الكبير د. أحمد الخطيب قبل يومين في "القبس" و"الجريدة"، كما كتب الأستاذ عبدالله النيباري في "القبس" أمس الأول عن هذا الوهم الكبير بصورة غير مباشرة، مع شرح تاريخي للماضي السلطوي للدولة، فالكويت لن تصبح واحة الحريات في المنطقة بالمجلس القادم، ولن تكون باريس الخليج الفكري والثقافي بعد عهود التزمت والتشدد الاجتماعي والديني، ولن تكون سنغافورة المنطقة في التنمية بكل الأحوال.

لم لا يراجع الأصدقاء تاريخ الدولة القريب، وهذا بالمناسبة ليس قاصراً على الكويت (يعم معظم دولنا العربية)، فما حدث في الزمن الذي غاب فيه التيار التقدمي بفعل القهر السلطوي، كما حدث هنا في الكويت عام ٧٦ وقبله (راجع النيباري ود. الخطيب) من إغلاق نادي الاستقلال إلى فتح الأبواب على مصاريعها، وتقديم السند المالي والدعم المعنوي للقوى المحافظة الدينية، وإصدار القوانين المقيدة للحريات، كلها تمت في غياب المجلس التشريعي، ثم إعادة المجلس، مع تفتيت الدوائر إلى خمس وعشرين دائرة حسب التوجهات القبلية والطائفية، وتقطيع لحمة الشعب الكويتي حسب مناطق التصويت دون نسيان القوة المالية للسلطة بشراء ذمم الموالاة... السادات والشاذلي بن جديد وقبلهم جعفر النميري كانوا يسيرون على الدرب ذاته، وتعرفون ما حدث بعد ذلك، حين انقلب السحر على الساحر. قاعدة تاريخية يجب ألا ننساها بأن أي سلطة في الدول الخامدة حين تستبعد التيارات الحية وتنفرد بالحكم تراهن على القوى الدينية لتضفي عليها الشرعية، فبغياب الشرعية الدستورية الحقة (إلا الشكلية) تأتي الشرعية الدينية لتحل مكانها لتسد النقص، في مجتمع يغلب عليه طابع المحافظة والتدين.

فعلى ماذا يراهن الأصدقاء اليوم، وهم يعيشون أحلام اليقظة بأن الساحة السياسية ستكون فاضية لهم بعد أن رفضت "حدس" وغيرها المشاركة في الانتخابات، ذلك كان من جهة، ومن جهة أخرى ليس من حقنا أن نسيء الظن دائماً بالمحافظين من "حدس" وغيرها، فـ"حدس" (أي الإخوان) اليوم غير الأمس، مع ربيعنا العربي لا الحكومي، وحتى التيارات المتشددة المحافظة، مثل عدد التجمعات السلفية لم يعد طرحها كما كان بالأمس، فليس هناك ما يبرر رفض البرلمان بصورة عامة، لأن فيه محمد هايف أو وليد الطبطبائي أو مسلم البراك أو أحمد السعدون، فهؤلاء نختلف معهم أحياناً ونتفق معهم في أحايين أخرى، وعندما نختلف معهم نجادلهم، وننتقدهم، وليس لنا أن نخشى شيئاً، لكن كيف لنا أن نجادل من وضع بيد قنبلة غاز خانقة، وباليد الأخرى عصا غليظة تبحث عن رأس تدميه... كتبت هذا من قبل ولن أعيد.