أكبر نذير شؤم بالنسبة للنظام القائم حالياً في إيران، إضافة إلى انهيار "التومان"، هو تحرك "البازار"، إذ ولأول مرة بعد انتصار الثورة الإيرانية في عام 1979 تشهد الأسواق التجارية الرئيسية في طهران بدايات مظاهرات من المؤكد أنها ستتسع وستتحول إلى ثورة شوارع عارمة إن بقيت الأمور هناك تتخذ هذا المنحى الكارثي في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، والمتجهة الى الانهيار الحتمي الشامل إن لم تقع معجزة وإن لم يبادر المسؤولون، وعلى رأسهم مرشد الثورة علي خامنئي، إلى وقفة جدية تتم بموجبها إعادة النظر في سياسة البلاد وفي كل شيء.

Ad

لقد شكل تحرك "البازار"، عشية انتصار الثورة الإيرانية في فبراير 1979، بداية نهاية نظام أسرة بهلوي، التي خلفت الدولة "القاجارية"، وبقيت في الحكم زهاء نصف قرن، فالأسواق التجارية الرئيسية في طهران هي عصب الاقتصاد، وهي مؤشر التوجهات السياسية في البلاد، وقد بقيت تشكل بيضة القبان بالنسبة إلى كل التحولات التي شهدتها هذه الدولة الإسلامية "الشقيقة"، سواء في السابق أو في اللاحق... وحتى الآن.

وأذكر عندما كنت في طهران، خلال فترة استكمال الثورة الإيرانية انتصارها وكصحافي يطارد الأحداث التاريخية، ومن بين أهم هذه الأحداث التاريخية في القرن العشرين كله هذه الثورة "العظيمة"، إن من كانوا يسمعون ذكر اسم الإمام الخميني من تجار البازار، حتى وإن كان هذا في إطار حديث عابر بين شخصين، كانوا ينتفضون واقفين، ويرددون بأصوات مرتفعة: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد".

الآن يبدو أن "البازار" بدأ ينقلب على هذه الثورة التي كان أحد عوامل انتصارها، فأوضاع الأمس تغيرت، والشعب الإيراني، الذي كان قد حلم عندما أعطى نفسه لهذه الثورة بغدٍ أفضل تسوده الحريات العامة، ويسوده الاستقرار ورغد العيش، ها هو الآن يشعر بخيبة أمل تفتت الأكباد في ظل قمع استبدادي عنوانه: "صادق خلخالي" الذي بقي مستمراً ومتواصلاً على مدى أكثر من أربعين عاماً، ووجد نفسه في أجواء حروب مستمرة حتى بعدما توقفت الحرب العراقية-الإيرانية، التي استنزفته حتى العظم، وحولت بلداً من المفترض أنه يغرق في النِّعم والخيرات حتى "شوشة" رأسه إلى دولة فقيرة وكئيبة تصل فيها البطالة والفقر إلى أرقام فلكية.

حتى لو أن حرب الثمانية أعوام قد فُرضت على إيران فرضاً بعد بضع سنوات من انتصار ثورتها فإن المفترض بعد توقف هذه الحرب، التي قال الإمام الخميني (رحمه الله) إنه تجرع قرار توقفها كتجرع السُّم، أن يتم الالتفات إلى الداخل الذي غدا منهكاً ومدمراً، والذي يحتاج إلى إعادة بناء من الصفر، لكن هذا لم يحصل إذ إن شهوة التوسع الإمبراطوري والتمدد الطائفي قد استبدت بأصحاب القرار من أصحاب العمائم السوداء، فأدخلوا بلداً غدا فقيراً ومستنزفاً في عمليات تسلُّح عنوانها المفاعلات النووية، وإنتاج الصواريخ البعيدة المدى والجيوش الجرارة، وكانت النتيجة هذا الواقع المؤلم والمزري الذي يعيشه هذا الشعب الإيراني العظيم الذي لا يستحق إلا الخير والاستقرار.

إن من حق الشعب الإيراني، الذي أنهكته نزوات الحكام وتطلعاتهم الصفوية وأوهامهم الطائفية، سواء في عهد الدولة الصفوية (التركمانية)، أو في عهد الدولة القاجارية، أو في عهد أسرة رضا بهلوي، أن يستقر وينعم بخيرات بلاده، بدل أن يجري تبديدها على هذا النحو وعلى أوهام الحصول على القنابل الذرية وامتلاك الصواريخ العابرة للقارات.