ربما لا يحتاج الأمر إلى جهد كبير لإدراك أن انحسار "الإسلاميين" وتقدم من يُعتبرون ليبراليين وعلمانيين في الانتخابات الليبية الأخيرة سببه الصورة البائسة والمرعبة التي قدمها الإخوان المسلمون (المصريون) للعرب والمسلمين في كل أقطارهم، فهؤلاء نكثوا بكل وعودهم التي قطعوها على أنفسهم في بداية الثورة المصرية، وأثبتوا أنهم كباقي الأحزاب الشمولية غير معنيين بالتعددية أو بتداول السلطة، وأن هدفهم، حسب التعبير المصري المتداول، هو "التكويش" على كل شيء والإمساك بكل الأمور وإقصاء حتى من تحالف معهم من قوى وأحزاب خلال مرحلة ميدان التحرير وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ويقيناً لو أن الانتخابات التونسية والمغربية تأخرت حتى الآن لكانت نتائجها مختلفة ولما وضعت "الإسلاميين" في الواجهة، ويقيناً، أيضاً، لو أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المصرية تأخرت إلى ما بعد انكشاف حقيقة الإخوان المسلمين هناك، لما أحرز هؤلاء الانتصار الذي أحرزوه، ولوقفت ضدهم غالبية القوى التي انحازت إليهم، ومن بينها المجموعات الناصرية بقيادة حمدين صباحي وبعض المجموعات التي توصف بأنها ليبرالية وعلمانية وقومية وتقدمية. كان يجب أن يدرك الإخوان المسلمون (المصريون) أن العيون في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي، بل في العالم كله، كانت تتابعهم خلال الانتخابات التشريعية، مجلس الشعب ومجلس الشورى، وخلال الانتخابات الرئاسية، وكان القصد هو التأكد من أن هؤلاء سيفون بما كانوا وعدوا به، أم أنهم سيعودون إلى حقيقة أنهم جماعة إقصائية بقيت متعطشة للسلطة أكثر من ثمانين عاماً وأنهم لا يؤمنون بتداول الحكم مادام وصل إلى أيديهم، وأن الانتخابات والديمقراطية بالنسبة إليهم هي مجرد تذكرة لسفرة واحدة، وفي اتجاه واحد. ما كان على الإخوان المسلمين (المصريين) أن يظهروا بهذه الصورة التي ظهروا بها، ماداموا هم "الجماعة" الأم، وماداموا هم أصحاب القرار في التنظيم العالمي، وأن المرشد الأعلى الذي لا رأي إلا رأيه ولا أمر فوق أمره، هو احتكار لهم وحدهم، وكان عليهم أن يدركوا أن "إخوانهم" في كل الدول العربية وغير العربية التي لهم تواجدٌ فيها سيدفعون ثمن اتضاح نزعتهم التسلطية وثمن استقتالهم للانفراد بالحكم وثمن اتضاح أنهم، رغم كل الوعود التي قطعوها على أنفسهم، حزبٌ شموليٌّ مثل كل الأحزاب الشمولية "القومية" و"اليسارية" التي حكمت في العديد من الدول العربية. إنها تجربة مرة بالفعل بالنسبة إلى الجماعات "الإخوانية" والإسلامية في الدول العربية التي تنتظر ربيعها العربي، والتي زارها هذا الربيع الذي سمي "عربياً". فبلدٍ مثل ليبيا كان شعبه قد ذاق الأمرّين على مدى أكثر من أربعين عاماً كان ينتظر أداءً إخوانياً نموذجياً في مصر للاقتداء به، لكنه عندما رأى أن شعارات البيدر قد جاءت خلافاً لشعارات الحقل، وجد أن الأسلم له وللشعب الليبي أن يتجه اتجاهاً آخر وأن يعطي ثقته للتيار الذي اقتنع غالبية الناخبين الليبيين بأنه قد يكون الأمل لمستقبل واعد، وأنه قد يثبت أنه تعددي فعلاً، وأنه يؤمن بتداول السلطة حقيقة، وأنه هو البديل المطلوب لنظام القذافي الاستبدادي الذي هو أسوأ نظام عرفه التاريخ.
Ad