للدكتاتور أسبابه وللناس أسبابهم
وجوه وملامح الدكتاتور لا يمكن أن تخطئها العين. هكذا كان تشارلز تايلور الأميركي الليبيري الإفريقي لا فرق. الملك هو الملك والدكتاتور هو الدكتاتور سواء كان موبوتو سي سي سيكو، القابع على جماجم الأطفال، أو ذلك المدعي بالوطنية أو بالدين أو بالقومية. هم من نفس العشيرة ومن نفس الطينة ومن نفس "النمونة" تشابه ليس له مثيل. من أقاصي ألاسكا إلى أعالي النيبال إلى السهول الجرمانية إلى مداخل "العوجة" إلى الصحراء الممتدة بلا حدود. وسواء كان هندوسياً أو مسيحياً أو مسلماً أو علمانياً أو أي شيء آخر، هو الدكتاتور، أينما كان وأينما حل وكيفما تم وصفه. هو هو كما وصفه مكيافيللي باقتدار، واصفاً في كتابه "الأمير" إحداثيات وأبعاد الحاكم الدكتاتور لأرباب نعمته ال ميديتشي. الدكتاتور له أسبابه لكي يظن أنه الأوحد والأقدر، وفي بعض الأحيان يرى نفسه الأعدل. كان دكتاتور تشيلي أوغستوس بينوشيت يقول عن نفسه (بالإسبانية) إنه "دكتا بلندا"، أي الناعمة، وليس "دكتا تورا"، أي القاسية، فهو كان يرى نفسه رحوماً عطوفاً ودوداً بصرف النظر عن انقلابه العسكري على رئيس منتخب سلفادور الييندي، وقتله عشرات الآلاف من البشر، فما كان يفعل ذلك، حسب منطقه، إلا رحمة بأبناء شعبه وحماية لهم من المخربين والمتطرفين. ذلك هو المنطق المشترك بين الطغاة، فصدام مثلاً رأى في نفسه ملهماً وبالذات في "حملته الإيمانية" من رب العزة وأن ما قام به وسيقوم به ليس إلا ترسيخاً لقيم السماء في الأرض، وأن من يتحداه ويعارضه لن يكون إلا من الشياطين وأباليس الأرض محكوم عليهم بالفناء، وظل يدور حول نفسه، حتى أفناها وأفنى من حوله. القائمة طويلة لا تنتهي، وبغض النظر عن اختلاف الأشكال والأسماء والأديان، إلا أنهم متشابهون، وربما تتجاوز خطورتهم محيطهم الذاتي، عندما تتشكل في أثرهم طغاة صغار يمارسون حياتهم العادية بذات المنطق المتضخم الذات. الحياة أجمل بالمتسامحين وهي أحلى باستيعاب الآخر وهي أجمل بألوانها الطبيعية وهي تتجلى دون الطغاة، لعلها بداية النهاية للطغاة، فقد صدر في الأسبوع الماضي أول حكم دولي ضد دكتاتور سابق هو رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور بالسجن لخمسين عاماً.
لم يعد مهماً أن نعرف أسباب تايلور لماذا صار دكتاتوراً، ولماذا صار مجرم حرب، فهي معروفة. الأهم أنها بداية فتح الباب لطغاة آخرين، حتى لو ظن الطغاة الآخرون أن ظروفهم مختلفة، وعسى أن يكون ذلك قريباً.