كانت متوقعة، بل مؤكدة، هذه الأزمة التي يعيشها الإخوان المسلمون، إن في مصر وإن في معظم الدول التي يوجدون فيها، ومن بينها الأردن بالطبع، فـ"القوم"، وهذا التعبير تعبيرهم، وجدوا أنفسهم وفي لحظة تاريخية اهتزت فيها المعادلات في هذه المنطقة لأسباب كثيرة من المفترض أنها معروفة، أمام فرصة سانحة للانقضاض على الحكم والسلطة انقضاض الجوعى على القصعة، فهم بقوا ينتطرون ثمانين عاماً وأكثر، تحالفوا خلالها مع كل أنظمة مصر المتلاحقة من الملك فؤاد إلى الملك فاروق إلى عبدالناصر إلى أنور السادات إلى حسني مبارك، لكنهم لم يترددوا أن ينقلبوا على كل هذه الأنظمة لأنهم لم يحققوا ما كانوا يريدونه ويسعون إليه من كل هذه التحالفات.
ما كانوا يتوقعون أن يكونوا هم مَن يخلف حسني مبارك، ويقيناً أنه لولا الموقف الأميركي الذي انحاز إلى جانبهم وحدهم فقط، ولولا دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي ما لبثوا أن انقلبوا عليه بعد أن أخذوا منه ما يريدون، لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه، ولكان الآن في القصر الجمهوري إما الجنرال أحمد شفيق أو حمدين صباحي أو عمرو موسى، ولبقوا ينتظرون على رصيف حركة التاريخ سنوات طويلة.ومشكلة الإخوان المسلمين، إن في مصر وإن في غزة وإن في تونس أيضاً، أنهم قبل أن يصلوا إلى الحكم أعطوا للآخرين وعوداً وردية، وتغزلوا في التعددية و"المشاركة" والديمقراطية أكثر مما تغزل قيس ليلى أو كُثير عزة، لكنهم عندما التقطوا ما كانوا يسعون إليه نسوا كل وعودهم وكل غزلهم وتحولوا بسرعة ضوئية إلى تجربة كتجربة عسكر الأنظمة الانقلابية الذين رفعوا شعار الوحدة والحرية والاشتراكية، لكنهم ما لبثوا بعدما سيطروا على الحكم أن تحولوا إلى جلادين لشعوبهم، وإلى طائفيين، وإلى قتلة، وهذه التجربة بكل دمويتها وأوجاعها لاتزال ماثلة للعيان.لم تعطِ حركة "حماس" شركاءها المفترضين في الحكم وفي السلطة الوطنية إلا شهوراً قليلة، قامت خلالها بترتيب أوضاعها مستعينة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومدعومة بالذين اعتمروا العمامة الإخوانية والإسلامية متأخرين جداً بدون أي قناعة، ثم بادرت إلى ذلك الانقلاب الأسود الذي تجاوز بدمويته كل ما فعلته الانقلابات العسكرية، الذي حوّل قطاع غزة إلى أسوأ نظام عرفته المنطقة، وإلى جزيرة للخوف والرعب، وأيضاً للفساد وللأنفاق والنفاق.ولعل ما أشار إلى كيف يفكر الإخوان المسلمون سابقاً ولاحقاً أنه بعد فوز "حماس" في الانتخابات التي سبقت انقلابها الدموي في غزة لم يتمالك أحد "وجهاء" الإخوان في الأردن، وكان عضواً في البرلمان الأردني، نفسَه وأطلق صرخة خيلاء تحت القبة البرلمانية قال فيها مهدداً متوعداً: "إننا قادمون"، مما دلَّ على أنَّ "إخوانه" الأردنيين كانوا يهيئون أنفسهم لمثل ما فعلته حركة المقاومة الإسلامية في غزة.والآن فإن ما يدل على أن "الإخوان" قد التقطوا الحكم في مصر وهم غير مهيئين له أنهم قبل أن يصيح الديك أدخلوا هذا البلد في أزمات طاحنة متلاحقة آخرها هذه المحتدمة الآن، وأن إخوانهم في "حماس" منقسمون على أنفسهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إخوان الأردن، وهناك شبه حرب أهلية اجتماعية في تونس، وجنرال السودان الذي اضطر للبس العمامة الإخوانية لمواجهة شريكه وحليفه القديم الدكتور حسن الترابي فينام في كل ليلة في لجنة كوابيس مرعبة دفعته إلى "فبركة" "حكاية الحركة الانقلابية الأخيرة"... وكل هذا يؤكد أن هؤلاء قد دخلوا فعلاً مرحلة: "إلى الخلف دُرْ"!
أخر كلام
«الإخوان» إلى الخلف دُر!
28-11-2012