الشاعر الغنائي بدر الجاسر... أبدع في السامري وترجمت أعماله الواقع

نشر في 16-08-2012 | 00:01
آخر تحديث 16-08-2012 | 00:01
الشاعر الغنائي بدر الجاسر أحد أبرز الفنانين الذين ساهموا في تطوير الأغنية الكويتية، من خلال تقديم قصائد غنائية ذات مستوى متقدم وفي الفنون المطلوبة من الملحنين، وهي ميزة لا تتوافر إلا في الشاعر المتمكن من أدواته الفنية الذي يسري حب الفن والعطاء الشعري في دمه.

كتب الشاعر بدر الجاسر الأغنية العاطفية والوطنية والشعبية، فأبدع وتفوق على نفسه. كان سباقاً في معايشة الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفنية، وترك رصيداً من الأغنيات أثرى من خلالها المكتبة الإذاعية والتلفزيونية.

سيرة ذاتية

اسمه الثلاثي بدر الجاسر العياف، من مواليد المرقاب (1929)، متزوج وله تسعة أبناء: مشعل أكبرهم، يحيى، نبيل، فهد وخمس بنات.

في بداية حياته العملية شغل منصب نائب رئيس قسم الموسيقى في إذاعة الكويت من ثم عيّن رئيساً للقسم (1967)، وبعد ذلك تولى رئاسة قسم صيانة السيارات في الإذاعة حتى 1975.

نظم أول قصيدة له عام 1946، أما أول شعر غنائي كتبه فهو «سلموا لي على اللي يستحق السلاما»، من ألحان الفنان عثمان السيد وغنائه وقد سجلها عام 1965، ومن أوائل نصوص بدر الجاسر الغنائية أيضاً: «ليش التعذر يا زريف الطول» و«اسأليني عن غرامي»، وهما من ألحان عثمان السيد.

حوالى 250 أغنية بين عاطفية ووطنية ودينية ووصفية، رصيد الشاعر بدر الجاسر، وما زالت تُبثّ في الإذاعة والتلفزيون بأصوات رواد ونجوم الأغنية الكويتية المطورة.

لم يكن الجاسر أسير شكل معين من القصائد، بل برز في السامري والزهيري والفصيح والشعبي والنقد الاجتماعي والموال وسواها من صنوف الغناء والشعر، لذا نالت أغنياته شهرة واسعة في السيتينيات والسبعينيات، وهي خالدة إلى اليوم ونابضة بالحياة، على الرغم من مرور أربعين عاماً عليها، لأنها نابعة من القلب وتعبر عن واقع الحال، ما يدلّ على أهمية هذا الشاعر الكبير وشعره القريب من الواقع.

نتذكر في هذا المجال أغنية للمطرب مصطفى أحمد (فن السامري) من ألحان الفنان غنام الديكان يقول في مطلعها:

يا قلبي مالك كل يوم اتدانا

من ناس ما يبغون منك التداني

«يا عديل الروح» من السامري الحديث قدم فيها الجاسر أروع الصور الوصفية والإبداعية، يقول فيها:

يا عديل الروح يا نور العيون

ليش يا الغالي عليه ما تبين

أنت حالف يا حبيببي ما تخون

وين وعدك وين عهدك واليمين

يا غصين البان هجرك ما يهون

على حالي ذبت أنا شوق وحنين

الصوت العربي

بدر الجاسر أول من كتب شعراً غنائياً مخصصاً للنصوص المسرحية، عندما تعاون مع فرقة «مسرح الخليج العربي» في مسرحية «ضاع الديك» تأليف عبد العزيز السريع، إخراج الراحل صقر الرشود.

كذلك تعاون مع مطربين وملحنين كويتيين في مجال الأغنية العاطفية والدينية والوطنية، ومن هذه الأغنيات: «الحال مال» غناء عبد الكريم عبد القادر، صورت تلفزيونياً العام 1966، «أمانة الله» غناء مصطفى أحمد، «أنا والليل في نجوى» غناء غريد الشاطئ... كذلك غنى له عبد الحميد السيد أغاني عاطفية وتصويرية في مناسبات دينية، يحيى أحمد، أحمد عبد الكريم، عوض دوخي في: «يا أهل الركب» و»يا بنات الحي»، يقول في مطلعها:

يا بنات الحي ما شفتوا الحسين

بينكم لي صاحب حلو الشفاه

خبروني وش علامة ما يبين

ليش ما يلعب معاكم واشبلاه

عام 1965 كتب بدر الجاسر كلمات صوت عربي سداسي 6/4 نُسب اللحن إلى الراحل عبد الله الفرج الذي طوّره الفنان القدير سعود الراشد بعدما أضاف إليه جملاً وفواصل موسيقية جديدة وغناه بنص جديد يقول في مطلعه:

يا عين وين الكرى

لوين واحنا سهارى

مع الدجى والقمر

مركب غرامي سرى

فوق الدموع الحيارى

ما هو بسطح البحر

مع المطربات

تعاون الجاسر مع مطربات عربيات من بينهن: هيام يونس في أغنية «يا من يسلم لي على الغالي ويجيب مراسيله»، مائده نزهت في أغنية عن جزيرة فيلكا تقول فيها:

دار ما دارك بحر

فيلكا أحلى الجزر

سميرة توفيق في أغنية يقول مطلعها:

يا الله يا طير يللي

درب الهوى ما دري به

حورية سامي وشريفة فاضل التي غنت من كلماته:

لا تودعني على نية سفر

أنا أخشى ساعة فيها الوداع

كذلك غنت «ذكرى عن ما مضى» تقول فيها:

يا حمد سلم على نور العيون

الحبيب اللي محله في حشاي

خبره عني ترى تمون

وأنت تدري بالذي جاري معاي

كذلك تعاون مع نجاح سلام في أغنية «أشجاني أشجاني» التي سبق أن غناها المطرب المعتزل ثابت محمد من ألحان سعود الراشد، وقد أثنت على هذه الأغنية أكثر من مرّة موضحة: «ما زال صداها يتردّد في قلبي وقلب الجماهير»، يقول في مطلعها:

أشجاني أشجاني

يا بحر أشجاني

والموج ويا الليل

والبدر أغراني

يا بحر يا ساحل

ويا متعة الناظر

ما ألطف السامر

مع بقية خلاني

تفاعل مع الأحداث

تميّز بدر الجاسر باندفاعه وحماسته وغيرته على وطنه وشعبه، تفاعل مع الحدث وعبّر عنه في قصائده سواء الملحنة أو تلك التي نشرها في الصحف والمجلات الكويتية، ومن قصائده في الظواهر العصرية في الكويت قصيدة طويلة نقتطف منها هذه الأبيات، يقول في مطلعها:

سايق الناقل يجيك

يطلع ويصفها عليك

صار للتكسي شريك

دوم وانيته يدور

وفي عام 1973 كانت له قصيدة «نبي شرع الله» نقتطف منها:

هذا البلد احنا جنوده واحنا

اللي على روسنا اترابه

يا عاشقين الحق يا طلابه

ابلادنا في حاجة للصلابه

كتب بدر الجاسر أغنيات وطنية منذ الستينيات ما زالت أصداؤها تتردد من بينها: «دار ما دارك بحر» (1961) تجلت فيها وطنيته عندما هدد طاغية العراق السابق عبد الكريم قاسم دولة الكويت، فكتب هذه القصيدة الرائعة وكانت مناسبتها حساسة للغاية وتعتبر إحدى أهم قصائده الوطنية، من تلحين الفنان القدير سعود الراشد وغنائه يقول فيها:

وكري يا حرارا

وانزحي يا حبارى

عن نوادي الحرار

البطل ما يتوارى

ورى طعس اذواري

من يمين ويسار

بمناسبة العيد الوطني الكويتي كتب بدر الجاسر أغنية «إحنا جنودك» ويقول في أبياتها:

كويتنا يا مناره

إحنا لسعدك سهارى

وسط البحر والصحارى

عيوننا ساهرينا

كذلك كتب الجاسر قصائد وطنيّة لمصر وفلسطين والجزائر، مؤكداً شمولية كتاباته كشاعر عربي يتفاعل مع ما يجري في مجتمعه الكبير، ويتمسّك بقوميته والتزامه بقضايا عربية واضحة وبوحدة دول الخليج ذات المصير الواحد والهدف الواحد، وقد عبر عن ذلك في قصائد كثيرة من بينها: «يا حمامة» التي كتبها للبحرين ويقول فيها:

لا وصلتي القصر زيدي السجيع

والقصر معروف هو قصر الرفاع

قبلي أيدي ذو الجاه الرفيع

الأسد ابن الأسد حلو السماع

أما أبرز قصائده عن فلسطين أغنية يقول مطلعها:

أيا فلسطين الغدا

سلمت لي طول المدى

يفديك من كيد العدا

دم الشباب العربا

الزهيريات

كتب بدر الجاسر «زهيريات» اطلع عليها المقربون منه من أبرزها:

يا من بسهمه رمانـي وما خطى سهمه

صوب لي مرماه ولكن بالحشى سهمه

مثل الذي سهم فرهود أخد سهمه

عادل لقلبي وسدد ضربته بالسهم

أرداني يا ناس خلاني قتيل السهم

ما فاز مثله أبدا من حاملين السهم

رموني مرات والكل قد حظى سهمه

كذلك كتب للمونولوجست أحمد القلاف ثلاثة مونولوجات معروفة هي: «شرباكه»، «أركد فكر»، «يا من يساعد» يقول فيه:

يا من يساعد مثلي المشتاق

نفسي من الحرمان محروقه

كل ساعة وي أمي أنا اخناق

دشداشتي كل يوم مشقوقة

جمعت صداقة بين بدر الجاسر والأخوين عوض ويوسف دوخي أثمرت أغنيات عاطفية جميلة ووطنية ما زالت تذاع، ساعد على نجاحها روح الترابط والاحساس المشترك السائدة بينهم، ومن الأغنيات التي غناها الفنان القدير عوض دوخي: «يلي غيابك طال»، فن القادري من تلحين فنان الكويت الكبير أحمد الزنجباري، يقول في مطلعها:

يللي غيابك طال البعد عذبني

لا تشمت العذال بالله راسلني

كتبت لك بيدي شوقي وتنهيدي

عن مقصدي وصيدى يا باشة الغيد

أما الفنان الراحل الدكتور يوسف دوخي فغنى من ألحانه «يا زين ما تنفع الآهات» يقول في مطلعها:

يا زين ما تنفع الآهات

بعتك ولو كنت شاريني

هيهات أرجع هيهات

نسيت يوم إنك تجافيني

و«آه يا جاسي»، وهي من السامري يقول في مطلعها:

آه يا جاسي أنا يك ابتليت

هذا حظي والطريج اللي مشيت

إنت مكنت الصواب إبمهجتي

بعدها يا زين عن عيني جفيت

مكانة في القلوب

تميّز بدر الجاسر بالبساطة في المفردة التي كانت وراء ترداد أغانيه بسهولة وشغف وحب، وبإضفاء الطابع الكويتي الخالص على الأغنية الكويتية المطورة، ما أفسح لها مكاناً واسعاً في القلوب.

غنى المطرب عبد المحسن المهنا من كلمات الشاعر بدر الجاسر وألحان الفنان يوسف المهنا، مجموعة من الأغنيات من بينها: «خلي التغلي» يقول في مطلعها:

خلي التغلي يا عزيز الراس

لا تسمع اللي ما يفيدونك

يا خل ما أروح أنا الفنطاس

إلا عشان أتمتع بلونك

ومن الأغنيات الشعبية المطورة التي لحنها يوسف المهنا وسُجّلت في القاهرة ونالت شهرة وأذيعت لسنوات في الإذاعة والتلفزيون «خليتني يا حبيبي»، ويقول في مطلعها:

خليتني يا حبيبي

محد يخلي حبيبه

اثنين كنا أحبه

نمشي بدرب المحبة

توقف عن الكتابـة

توقف الشاعر بدر الجاسر عن كتابة الأغنية للاذاعة الكويتية عام 1970، ولكن أحاسيسه الشعرية وإبداعاته الفطرية لم تتوقف بل استمر في الكتابة والاحتفاظ بها ومما قال قبل وفاته:

أجمل الأيام يوم الأربعه

يا ربع صارت قـطاعه

لو تعرفون السـبب

العجايـب والقطاعه

وفاته

فقدت الحركة الغنائية في الكويت الشاعر الفنان الشامل بدر الجاسر في 18 يوليو 1975 عن عمر يناهز 46 عاماًً بعدما أثرى المكتبة الغنائية الكويتية بأعمال أصيلة، ما زالت تذاع وتحقق نجاحاً ومستوى فنياً سيظل التاريخ يذكرها لهذا الفنان المبدع.

مدرسة شعرية

● أحمد عبدالمحسن

يحظى الشاعر الراحل بدر الجاسر بمكانة كبيرة لدى المبدعين الكويتيين، خصوصاً أولئك الذين عرفوه عن بعد وتابعوا مسيرته. في هذا السياق، يقول الشاعر الغنائي بدر بورسلي: «الراحل بدر الجاسر كان إضافة شعرية كبيرة إلى الأغنية الكويتية الحديثة والمطورة، فقد استطاع أن يضيف شكلاً غنائياً جديداً عليها من خلال أشعاره الجميلة وكلماته المعبرة وأوصافه الساحرة، وكان بحراً شعرياً متميزاً ويعتبر أحد الرواد في مجاله، واستفاد الجميع من عمله مع هذا الرجل بسبب خبرته وشخصيته المتميزة التي جعلت منه أستاذاً كبيراً في مجال الشعر والأغنية الكويتية، فهو الفنان الأول الذي استطاع أن يدخل على الأغنية السامرية والأغنية العادية، فاستطاع أن يكتب جميع الألوان الغنائية باقتدار، ويعتبر أحد أهم رموز الفن الكويتي».

على الصعيد الشخصي، أوضح بورسلي الفائدة الكبيرة التي جناها من هذا الشاعر، وقال: «تعلمت على يده  دقة الكلمة وروعة الوصف، وهذا أمر أفتخر به كثيرا ولا يمكن لي أن أنكره».

من جانبه قال الملحن عبدالله العقود: «لا شك ان جيل الرواد في الأغنية الكويتية هم الذين نتعلم منهم لأنهم حفروا الصخر من اجل إرساء دعائم فن كويتي متميز، والراحل بدر الجاسر صاحب أعمال خالدة قدم للفن الكويتي العديد وكرس وقته لصالح تطور الأغنية الكويتية والفن الكويتي، فقد ورّث هذه الأعمال للأجيال الحالية التي يجب عليها أن تقوم بتكريس وقتها في سبيل فهم النهج المقدم من الأساتذة الكبار من طينة الأستاذ الراحل بدر الجاسر، فالإبداع هو عنوانه والتألق كان كفيلاً في حفر اسمه في الذاكرة والعديد يتمنى أن يصبح مثل هذه الشخصيات المهمة والمؤثرة في الفن الكويتي، فجميع الفنانين الحاليين تعلموا العديد من هؤلاء الأساتذة الكبار وأنا أيضاً شخص تعلم ودرس بسبب الفن الذي قدموه للكويت من كلمة ولحن، لذا فنحن ملزمون بتخليد ذكرى هؤلاء الفنانين ويجب علينا أيضاً أن نقوم بتعلم النهج وكيفية التعامل مع هذه الكومة الكبيرة من الفن المقدم كهدية ثمينة لا يجب التفريط بها أو تضييعها أياً كانت الأسباب، ويجب أن نقوم بعمل خطة محكمة حتى نقوم بتوريث هذه الأعمال للأجيال الحالية والذين هم بحاجة ماسة وبحالة تعطش لمثل هذه المواد الدسمة من الفن الكويتي الراسخ في ذاكرة الجميع».

وأضاف: «نتمنى أن نكون على قدر هذه المسؤولية وأن نطير بالفن الكويتي نحو المجد والنجاح وهذا واجب على كل فنان وملحن وشاعر كويتي وعليه أيضاً مسؤولية الرقي بهذا الفن وبهذا البلد العظيم وأن نأخذ من هؤلاء الكبار الهمة والعزم في سبيل تطوير فنوننا المحلية».

back to top