اندفاعة عربية - دولية أسقطت الاستراتيجية الإيرانية – السورية في حرب غزة
تعرب جهات دبلوماسية عربية في بيروت عن اعتقادها بأن «حرب غزة» انقلبت على المتسببين بها أو في أحسن الأحوال على الجهات الإقليمية التي اعتقدت في ساعاتها الأولى بأنها ستصب في مصلحة سعيها الى قلب المعادلات وتغيير المفاهيم على الساحة العربية.وتنطلق هذه الجهات من اعتبارها أن تقاطعا في المصالح بين إسرائيل من جهة وكل من دمشق وطهران من جهة مقابلة هو الذي أدى الى تفجير الوضع.
فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يستعد لانتخابات تشريعية في غضون أشهر يبحث عن «انتصار» عسكري يسمح له بتعزيز حظوظه في هذه الانتخابات، وهو رأى في استغلال الصواريخ التي أطلقت قبيل اغتيال القائد العسكري لحركة حماس أحمد الجعبري التوقيت والذريعة المناسبين من أجل تنفيذ عملية الاغتيال وإطلاق شرارة عملية عسكرية ضد غزة من شأنها عرقلة جهود الرئيس الفلسطيني محمود عباس عشية قراره التوجه الى الأمم المتحدة لطلب قبول دولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة.أما على الجبهة المقابلة فيتهم الدبلوماسي العربي الرفيع كلا من سورية وإيران بتوفير «الذريعة» التي استندت اليها إسرائيل لإطلاق حربها الجديدة على غزة. ويكشف في هذا الإطار عن معلومات لدى دولته تؤكد أن طهران ودمشق نجحتا في اختراق بعض المجموعات داخل حركة حماس ومن بينها الجعبري نفسه، إضافة الى منظمة الجهاد الإسلامي، لإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على إسرائيل من أجل تحقيق سلسلة من الأهداف الاستراتيجية على الشكل الآتي:1- إرباك الدول الداعمة للربيع العربي وخصوصا للثورة السورية وفي مقدمها قطر ومصر وتركيا وتحريك الرأي العام الإسلامي فيها وفي دول الخليج العربي لإحراجها على خلفية رفض الإعتداءات الإسرائيلية على غزة والدفع بها الى تركيز جهودها على دعم الفلسطينيين بدلا من المضي قدما في دعم الثورة السورية لاسيما غداة الاتفاق الذي تم التوصل اليه في قطر لتوحيد المعارضة السورية في كيان ينتج عنه حكومة انتقالية، وبداية الاعتراف الأوروبي بالمعارضة السورية كممثل للشعب السوري وتطلعاته وصولا الى قبول فرنسا اعتماد سفير للمعارضة السورية في باريس.2- إرباك المعارضة السورية من خلال توجيه ضربة الى انطلاقتها بإشغال داعميها بمعارك «جانبية» تسمح للنظام في سورية بتوجيه ضربات عسكرية قاسية بدعم إيراني روسي الى المناطق التي تسيطر عليها على أمل تغيير موازين القوى فيها وخلق معادلات ميدانية جديدة على الأرض لمصلحة النظام.3- تحويل أنظار الرأي العام العربي والدولي وتوجيه تركيز وسائل الإعلام الى المجازر الإسرائيلية في غزة للتغطية على المجازر التي يرتكبها النظام السوري في أرجاء سورية كافة.4- إرباك الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحؤول دون مضيه قدما في خطته السلمية لانتزاع اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، وتوسيع نطاق سيطرة حلفاء سورية وإيران من غزة الى الضفة الغربية، على نحو يحرج الرئيس المصري محمد مرسي والملك الأردني عبدالله الثاني اللذين يعانيان من ظروف داخلية حرجة على أمل دفعهما الى التخلي أو على الأقل الى تعليق اتفاقيتي السلام مع إسرائيل لاحتواء الشارع المعارض لسياسة إسرائيل العدوانية في كل من مصر والأردن. لكن الجهات الدبلوماسية العربية ذاتها في بيروت تؤكد أن الأمور سارت خلافا لما سعت اليه سورية وإيران:1- فالقاهرة والدوحة تحولتا، بدعم تركي، الى وسيطين بين إسرائيل وحركة حماس على قاعدة التهدئة لا على قاعدة المواجهة.2- صمدت اتفاقات السلام بين الدول العربية وإسرائيل ولم تكن في لحظة من لحظات التفاوض موضوع نقاش.3- تبدو العملية السلمية عشية انطلاقة جديدة من خلال بوادر وحدة فلسطينية مرتقبة تحت سقف الشرعيتين العربية والدولية.4- فشلت محاولات النظام السوري قلب موازين القوى على الأرض في مقابل ضربات موجعة نجحت المعارضة في توجيهها الى قطعات عسكرية مهمة وأساسية تابعة للنظام السوري.5- أبقى الرأي العام العربي من خلال الشارع ووسائل الإعلام تركيزه على المجازر التي يرتكبها نظام الرئيس بشار الأسد في موازاة المجازر الإسرائيلية في غزة.6- والورقة العسكرية المتمثلة بالصواريخ البعيدة المدى التي زودت بها سورية وإيران المنظمات الفلسطينية وحزب الله، فقدت الكثير من أهميتها في ضوء نجاح القبة الحديدية الإسرائيلية في اعتراضها، على الرغم من النجاح المحدود لهذه المنظومة في مواجهة الصواريخ القصيرة المدى. مما وضع إيران وسورية وحزب الله في موقف عسكري حرج وأفقدهم ورقة تهويل استراتيجي على اسرائيل وورقة ابتزاز مهمة للعرب.وتتوقع الجهات الدبلوماسية العربية في بيروت في ضوء هذا الواقع تسوية قريبة فلسطينية – إسرائيلية برعاية عربية وأوروبية ودولية واسعة تتمثل بإعادة ترسيخ الهدنة مدخلا الى تفعيل عملية السلام في موازاة مضي الربيع العربي قدما في اتجاه تحقيق أهدافه الداخلية خصوصا في سورية.