استقلال الطاقة في عالم مترابط

نشر في 18-07-2012
آخر تحديث 18-07-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت عندما أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون في أوائل سبعينيات القرن العشرين رغبته في تأمين استقلال الطاقة الوطنية، كانت الولايات المتحدة تستورد ربع احتياجاتها من النفط، وبحلول نهاية ذلك العقد، وبعد الحظر النفطي العربي والثورة الإيرانية، كان الإنتاج المحلي في انحدار، فأصبح الأميركيون يستوردون نصف احتياجاتهم من المواد البترولية بما يوازي خمسة عشر أمثال السعر، وكان من المعتقد على نطاق واسع أن مخزون البلاد من الغاز الطبيعي بدأ ينفد.

لقد ساهمت صدمات الطاقة في تكوين مزيج فتاك من النمو الاقتصادي الراكد والتضخم، ولقد أعلن كل رئيس أميركي منذ نيكسون أمن الطاقة هدفاً له، ولكن قِلة من الناس أخذت هذه الوعود على محمل الجد.

واليوم لم يعد خبراء الطاقة موضع سخرية، فبحلول نهاية هذا العقد، ووفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، سيتم إنتاج ما يقرب من نصف النفط الخام الذي تستهلكه أميركا في الداخل، بينما سيأتي 82% من المناطق الأميركية المطلة على المحيط الأطلسي. ويزعم فيليب فيرليغر، وهو محلل طاقة محترم، أن الولايات المتحدة بحلول عام 2023، والذي يوافق الذكرى السنوية الخمسين "لمشروع الاستقلال" الذي أعلنه الرئيس نيكسون، ستحقق هدف استقلال الطاقة، أي أن صادراتها من الطاقة ستتجاوز وارداتها منها.

كما يزعم فيرليغر أن استقلال الطاقة "قد يجعل هذا القرن أميركياً من خلال خلق بيئة اقتصادية حيث تتمتع الولايات المتحدة بالقدرة على الوصول إلى إمدادات الطاقة بتكاليف أقل كثيراً من مثيلاتها في مناطق أخرى من العالم". والواقع أن الأوروبيين والآسيويين يدفعون بالفعل أربع إلى ست مرات أكثر مما يدفعه الأميركيون للحصول على الغاز الطبيعي.

ولكن ماذا حدث؟ لقد ساهمت تكنولوجيات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي، والتي يتم بموجبها قصف الصخر الزيتي وغيره من التكوينات الصخرية على أعماق كبيرة بالمياه والمواد الكيماوية، في إطلاق إمدادات جديدة كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط. ولقد سجلت صناعة الغاز المستخرج من الصخر الزيتي في أميركا نمواً بلغ 45% سنوياً من عام 2005 إلى عام 2010، كما سجلت حصة غاز الصخر الزيتي في إجمالي الإنتاج الأميركي من الغاز نمواً من 4% إلى 24%.

وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة لديها من الغاز ما يكفي لدعم معدل الإنتاج الحالي لأكثر من قرن من الزمان، وفي حين تتمتع دول أخرى عديدة بإمكانات كبيرة في مجال غاز الصخر الزيتي، فإن الأمر لا يخلو من المشاكل، بما في ذلك نُدرة المياه في الصين، وأمن الاستثمار في الأرجنتين، والقيود البيئية في العديد من الدول الأوروبية.

وسيستفيد الاقتصاد الأميركي بطرق لا تعد ولا تحصى من التغيير في إمدادات الطاقة، فهناك بالفعل مئات الآلاف من فرص العمل التي يجري خلقها، وبعضها في مناطق نائية كانت تتسم بالركود في الماضي. وهذا النشاط الاقتصادي الإضافي من شأنه أن يعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي تحصيل إيرادات ضريبية جديدة كبيرة. فضلاً عن ذلك فإن انخفاض فاتورة الطاقة المستوردة من شأنه أن يساهم في تضييق فجوة العجز التجاري في أميركا وتحسين موقف ميزان المدفوعات. وستكتسب بعض الصناعات الأميركية، مثل الكيماويات والبلاستيك، ميزة نسبية كبيرة فيما يتصل بتكاليف الإنتاج.

وطبقاً لتقديرات الهيئة الدولية للطاقة الذرية فإن الاحتياطات الإضافية اللازمة لضمان سلامة آبار غاز الزيت الصخري بيئياً- بما في ذلك الدراسة المتأنية للظروف الزلزالية، والآبار المعزولة بالشكل المناسب، والإدارة اللائقة لمياه الصرف- تضيف 7% فقط إلى التكلفة.

ولكن فيما يتعلق بتغير المناخ، فإن التأثيرات المترتبة على الاعتماد بشكل أكبر على غاز الزيت الصخري ملتبسة. ولأن استهلاك الغاز الطبيعي ينتج كميات أقل من غازات الاحتباس الحراري العالمي مقارنة بغيرها من المواد الهيدروكربونية، مثل الفحم والنفط، فبوسعه أن يعمل كجسر إلى مستقبل أقل استهلاكاً للكربون، ولكن انخفاض أسعار الغاز من شأنه أن يعوق تنمية مصادر الطاقة المتجددة ما لم يكن مصحوباً بإعانات دعم أو فرض ضرائب على الكربون.

في هذه المرحلة، لا يملك المرء إلا أن يتكهن بشأن التأثيرات الجيوسياسية، ومن الواضح أن تدعيم اقتصاد الولايات المتحدة من شأنه أن يعزز من القوة الاقتصادية الأميركية، وهو السيناريو الذي يتعارض مع الموضة الحالية المتمثلة بتصوير الولايات المتحدة على أنها في انحدار.

ولكن لا ينبغي للمرء أن يقفز إلى الاستنتاجات، ولا يشكل التوازن بين واردات الطاقة وصادراتها سوى خطوة أولى نحو الاستقلال. وكما أزعم في كتابي "مستقبل القوة"، فإن الترابط العالمي يشمل كلاً من الحساسية والتعرض للخطر، فقد تصبح الولايات المتحدة أقل عُرضة للخطر في الأمد البعيد إذا نجحت في الحد من وارداتها من الطاقة، ولكن النفط سلعة قابلة للاستبدال، وسيظل اقتصاد الولايات المتحدة حساساً للصدمات الناجمة عن التغيرات الفجائية في الأسعار العالمية.

وبعبارة أخرى، فإن قيام ثورة في المملكة العربية السعودية أو فرض حصار على مضيق هرمز قد يلحق الضرر بالولايات المتحدة وحلفائها رغم هذا، لذا فحتى إذا لم يكن للولايات المتحدة أي مصلحة أخرى في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل أو منع الانتشار النووي، فإن التوازن بين الواردات والصادرات من الطاقة من غير المرجح أن يحرر الولايات المتحدة من النفقات العسكرية- التي يقدرها بعض الخبراء بنحو 50 مليار دولار سنوياً- لحماية طرق النفط في المنطقة.

ومن ناحية أخرى، لابد من تعزيز الموقف التفاوضي الأميركي في السياسة العالمية. إن القوة تنشأ من عدم التناسق في الاعتماد المتبادل. فقد نعتمد أنا وأنت على بعضنا بعضا، ولكن إذا كان اعتمادي عليك أقل من اعتمادك عليّ، فإن هذا يزيد من قوة مركزي التفاوضي.

لعقود من الزمان، كان بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية توازن غير متناسق، حيث كنا نعتمد على السعودية كمنتج منتظم للنفط، وكانت السعودية تعتمد على الولايات المتحدة لتوفير الأمن العسكري المطلق. والآن سيتم إبرام الصفقات بين الطرفين وفقاً لشروط أفضل من جهة النظر الأميركية.

وعلى نحو مماثل، كانت روسيا تتمتع بقدر من التأثير في أوروبا وعلى جاراتها الصغيرة من خلال سيطرتها على إمدادات الغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب. ومع اكتفاء أميركا الشمالية من الغاز ذاتياً، فإن المزيد من مناطق مختلفة أخرى سيتحرر لكي يوفر مصادر بديلة لأوروبا، وبالتالي تقليص النفوذ الروسي.

وفي منطقة شرق آسيا، التي أصبحت محوراً لتركيز السياسة الخارجية الأميركية، فإن الصين ستجد نفسها معتمدة على نحو متزايد على النفط من الشرق الأوسط، وقد تتعزز الجهود الأميركية الرامية إلى إقناع الصين بالاضطلاع بدور أعظم في الترتيبات الأمنية الإقليمية، وقد يؤثر إدراك الصين لضعف تأثير قطع طرق إمداد البحرية الأميركية في ضوء الاحتمال المستبعد لنشوء نزاع بمقدار ضئيل على القوة التفاوضية لكل من الجانبين.

إن التوازن بين واردات الطاقة وصادراتها لا ينتج استقلالاً محضاً، ولكنه كفيل بتغيير علاقات القوة فيما يتصل بالارتباط المتبادل في مجال الطاقة، ومن الواضح أن نيكسون كان على حق.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye ، أستاذ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأميركي؟"، ومؤخرا تولى الرئاسة المشتركة لمناقشات مجموعة أسبن الاستراتيجية لتنظيم الدولة الإسلامية والتطرف في الشرق الأوسط.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top