الإكثار من الاستجوابات. يجعلها أمرا عاديا يتم خلاله كشف الحقائق للناس ان وجدت، وربما، تصحيح مسار الوزير المعني. الا ان العملية السياسية لا تحددها النوايا، ولكن النتائج على ارض الواقع. الإشكالية هي اننا اصبحنا في الاستجواب  ندخل معركة منهكة للمجتمع لا ينتج عنها في احسن الأحوال اكثر من استقالة وزير او تدويره او ربما دعوة لانتخابات مبكرة  ، ومن ثم يتم تجاهل ملف  الاستجواب بعد انتهاء الحفلة وانقضائها. التركيز سيكون على قدرة النائب فلان، وربما قدرة الوزير فلان.  شهدنا وزراء مظلومين ونواب يتعسفون، وشهدنا وزراء يستحقون الادانة ولكنهم فاتوا دون مشكلة بشوية تضبيطات، وشهدنا وزراء استقالوا بسبب استجواب وجيء بوزير سار باسوا مما كان عليه سلفه ولم ينطق احد باعتراض. ليس مهما ان يبقى وزير او يذهب وزير، والمجلس ليس محكمة، ولكن الأهم هو ان تتصلح الأوضاع التي تم من اجلها تقديم الاستجواب، وهي معضلة نحتاج الى التوقف عندها مليا، والا فانه لن ينتج عن اي استجواب الا رحيل وزير ومجيء وزير اخر. اما ان ينتج عن ذلك عمل جدي فهو امر لا يكاد يذكر.

Ad

العديد من الاستجوابات نتج عنها تشكيل لجان متابعة لتوصيات، واحيانا اقل يتم تشكيل لجان تحقيق، الا انه ما ان ينتهي الاستجواب تتبخر تلك اللجان كشمع تحت شمس حارقة.

من غير المفهوم الاصرار على استعجال المواجهة السياسية من خلال أداة غير مجدية، وكانها معركة إثبات وجود، بينما ان الفرصة التاريخية تتمثل في ايجاد بنية تحتية قانونية إصلاحية لموضوعات محورية كما حدث في تعديل موضوع الحبس الاحتياطي. والتركيز اكثر علي المحكمة الدستورية ومؤسسات مكافحة الفساد، والمفوضية المستقلة للانتخابات، والهيئة الوطنية لحقوق الانسان، والحقوق المدنية للبدون، وغيرها كثير وهي مكاسب، تاريخية  فان تمت صياغتها بالتوافق مع الحكومة فستبقى معنا الى أمد طويل، وستكون هي الأرضية الفعلية للاصلاح ، خاصة وان الحكومة لم تتعاون مع "الاغلبية" فحسب ، بل تواطات معهم في قضايا غير دستورية ومناهضة للحريات ، وهو الامر الذي يفترض انها أخذت درسا فيه من صاحب السمو الامير في تفاصيل رده للطلب النيابي  لتعديل المادة ٧٩ من الدستور. اما الإطاحة بوزير فهي ليست الا مكسب سياسي متواضع جداً في اطار الادعاء بوجود اغلبية متماسكة

المعادلة القائمة منذ قيام الدستور وحتي يومنا هذا، هي معادلة سياسية ثنائية ترتكز علي الحكومة والنواب ، وهي معادلة ثبت انها فاشلة وغير كافية لتحصين النظام السياسي وجعله اكثر فاعلية، فبلا دور فاعل للفضاء الثالث ومجتمع مدني حقيقي ليوازن حالة الضياع التي يعيشها النواب والحكومة فإننا سنعود سريعا للمربع رقم واحد وربما دون الصفر.

#المقالة كتبت قبل الاستجواب الاخير ولكن لأسباب فنية في جهاز الإرسال تأخرنشرها  فكان الاستجواب وتدني الخطاب ليؤكد ذات وجهة النظر