عادت مجدداً مقولة "إسقاط المجلس شعبياً"، وهي مقولة أو شعار لا معنى له في النظم البرلمانية الديمقراطية، روج له خلال "هوجة" إسقاط مجلس أمة 2009 في ربيع وصيف وخريف 2011، حتى تم حله في شتاء نفس العام، وفعلياً لا يوجد في أي نظام ديمقراطي إمكانية أن يسقط الشعب برلماناً تم انتخابه بصورة شرعية، ومن يمكنه ذلك فقط هو المخول بحله دستورياً، أو عن طريق طلب الأغلبية حله في نظم الحكومات البرلمانية، أو وفقاً لحكم قضائي، وبخلاف ذلك فإن الأمر يعتبر انقلاباً على الشرعية وآليات عمل الدولة المؤسساتية البرلمانية الحديثة.

Ad

الأغلبية المبطلة أو المقاطعون يؤكدون أن كل دوافعهم تنطلق من حماية الدستور، لكن ما يسعون إلى تحقيقه واقعياً هو هدم الدستور ومؤسسات الدولة، لأن إسقاط المجلس تحت شعار "إسقاط المجلس شعبياً" لن يبقي دستوراً ولا مؤسسات في الدولة قائمة، لأن الشارع لن يخلو مطلقاً من المطالبين بحل البرلمان وإسقاطه بدعاوى مختلفة، فكل فئة في المستقبل ستخسر الانتخابات ستطالب بإسقاط البرلمان شعبياً -أي في الشارع- وسندور في حلقة لغة الأرقام "الشوارعية" المفرغة، وسيتنازع كل طرف عدد من خرجوا للمسيرة تلك أو التجمع ذاك، وسنسمع رقم الـ250000 مشارك! مقابل خصمه الذي سيقول إنهم لم يتجاوزوا ألفين أو ثلاثة آلاف مشارك، وتضيع دولة المؤسسات في غياهب سلوكيات التنازع "الشوارعي"، ولذلك فإن "الشارع" في الدول راسخة الديمقراطية يعكس وجهات النظر ولا يسقط المؤسسات، فالملايين من المتظاهرين على مدى سنوات في الولايات المتحدة لم يستطيعوا إسقاط الرئيس جورج بوش أو نزع غالبيته الجمهورية في الكونغرس، إلا بعد أن انتهت ولايته الدستورية، وتم انتخاب بديل عنه.

قد تكون هناك حالات تبرر إسقاط برلمان، مثل برلمان تحوم حوله الشكوك بالتزوير، كما كان يفعل أحمد عز في عهد وصاية جمال مبارك على الدولة المصرية، أو ما دأب على فعله نظاما البعث في العراق وسورية، لكن في الكويت لم تشكك أي جهة محلية محايدة أو دولية في نزاهة انتخابات مجلس أمة 2012 مكرر، أو تطعن في أي جانب من جوانب العملية الانتخابية والإشراف القضائي الكامل الذي تم عليها، بل إن تقرير جمعية الشفافية الكويتية، المقرب من طرف سياسي معروف ومقاطع للانتخابات، لم يثبت أو يشير إلى أي تلاعب بالانتخابات الأخيرة، وهو ما يسحب أي مبرر قانوني أو سياسي لإسقاط المجلس كما يدعون شعبياً.

القضية باختصار ان البعض استمرأ فرض رأيه عبر صراخ الشارع الذي يبدو أن السلطة قد حزمت أمرها بمواجهته بالقانون ومؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية، وأن سيناريو مجلس أمة 2009 لن يتكرر، خاصة أن نسبة 40 في المئة من المشاركة في الانتخابات الأخيرة كانت انتصاراً لها، وصدمة للمقاطعين لأنها نسبة متماشية مع المعايير الدولية، إذ إن نسبة المشاركة في انتخابات الكونغرس الأميركي عام 2010 لم تتجاوز 41 في المئة، وأيضاً نسبة التصويت الأخيرة ليست ببعيدة عن نسبة التصويت السابقة في الكويت التي لم تتجاوز 59 في المئة، وهي تؤكد أن نسبة المقاطعين لم تتجاوز 19 في المئة، لذلك فإن ترويج شعار "إسقاط المجلس شعبياً" هو تلاعب لفظي قرينه العملي الصحيح هو الانقلاب على الدولة وسلطاتها، لأنه لا يوجد له وجود في الدساتير والقوانين، والأهم في النظم الديمقراطية الحديثة.