إلحاقاً بمقالي السابق، الذي كان بعنوان "هل ارتفع السقف حقا؟"، وبناء على مناقشات وردود وحوارات عايشتها بعد ذلك المقال، أكتب اليوم تحت عنوان "كيف يكون رفع السقف حقا؟".
كنت خلصت في المقال السابق إلى أن ما جرى ويجري لم يكن في الحقيقة رفعاً للسقف، فما تم طرحه من ملاحظات ونقد صريح ومباشر لم يكن شيئاً جديداً في مادته، فلم يكن شيئاً غير مطروح من قبل، ولكن قصارى الأمر أنه كشف لما كان يدور في الدوائر المغلقة بصوت هامس خجول، وأن هذه الخطوة، وإن كانت خطوة مختلفة نوعياً وغير مألوفة في الواقع السياسي، لا تستحق أن ترتقي إلى أن يقال على إثرها إن سقف الحراك السياسي قد ارتفع.ولست بهذا الكلام أحاول التقليل من شأن ما جرى بقصد الإساءة، بل على العكس، فلِما جرى فوائد كبيرة كنت تحدثت عنها في المقال السابق الذي يمكن الرجوع إليه، وأهمها أنها استرعت انتباه السلطة بشكل واضح للحراك الشعبي الذي يجري ولاحتمالات تمدده المفتوحة، ولكن مرادي من هذا التعليق أن أضع الأمور في نصابها كمقدمة لوضع اليد على ما يجب أن يكون حقاً في المرحلة اللاحقة.السلطة الآن، وعلى أعلى مستوياتها، صارت تنظر بانتباه كامل ودون استصغار ولا احتقار للحراك الشعبي، وصارت تدرك حجمه الحقيقي، وكذلك حجم خطورته الكامنة، وبالتالي فنحن اليوم أمام فرصة تاريخية يجب ألا تفوت أبداً، كما فاتت وضاعت فرص تاريخية سابقة كان بالإمكان تحقيق مكتسبات سياسية حقيقية من خلالها للوصول إلى الديمقراطية الحقيقية، واستبدال خديعة هذا الواقع الزائف الأجوف التي نرتع فيها منذ عقود، وقد كنت تحدثت عن هذه الجزئية في مقال سابق في ذات هذه الزاوية بتاريخ 26 أغسطس الماضي بعنوان "الفرصة التاريخية وصدق النوايا".هذا الانتباه من قبل السلطة تجاه الحراك الشعبي ومطالبه يستلزم منه (الحراك) في المقابل أن يكون "رفع السقف" على قدر المرحلة، وبالتالي فرفع السقف يجب ألا يقتصر على زجرها، أي السلطة، عن الاقتراب أو التفكير بتغيير آليات الانتخاب فحسب، فهذه ليست سوى جزئية هامشية صغيرة جداً، إن هي قورنت بحجم مساحات الخلل والفساد التي وصلنا إليها على يد السلطة نفسها ومن خلال ممارساتها طوال العقود الماضية، وإنما يجب أن يكون رفع السقف عبر قيام الحراك الشعبي، ولا أشير إلى كتلة الأغلبية فقط لأني لا أراها سوى جزء من كل، بوضع مسودة صريحة ومباشرة لمشروع إصلاحي على الطاولة أمام السلطة حتى يكون بمنزلة الخطوط العامة لمسار الإصلاح الذي يجب أن يكون توافقياً بين السلطتين في المرحلة المقبلة، وهي المرحلة التي يجب أن تكون بطبيعة الحال إثر انتخابات نزيهة شفافة وفق نفس الآليات الحالية التي يجب ألا تمس طبعاً. ومشروع الإصلاح هذا يجب أن يتطرق إلى كل الجزئيات التي طالب بها الحراك الشعبي، ابتداءً من الالتزام بتطبيق القوانين على الجميع، مروراً باستقلالية القضاء وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات وتطوير الانتخابات إلى نظام القوائم بالتمثيل النسبي، انتهاء بالحكومة الشعبية المنتخبة بالكامل، وغير ذلك من المطالبات الجوهرية التي كانت قد طرحت ويجب ألا يتم تجاهلها في هذه المرحلة المصيرية، وعليه فإما أن يكون الاتفاق على هذه الحزمة بأسرها، وإلا فيجب أن تكون المقاطعة الكاملة للعملية الانتخابية القادمة بأي شكل كانت، وإما سنعود إلى المربع رقم واحد وكأن شيئاً لم يكن.هكذا يكون رفع السقف، وهكذا يكون اقتناص الفرص التاريخية، وهكذا يكون استثمار المرحلة لأجل تطوير وإنقاذ حقيقي لهذا البلد، وأما ما سوى ذلك فليس سوى جزء من نفس المسرحية المستمرة، حتى إن كان في فصلها الحالي بعض الإثارة!
مقالات
كيف يكون رفع السقف حقاً؟
16-10-2012