آسيا والجاذبية الاستثمارية
لماذا لا ينظر العالم إلى الحضارات الشرقية بمنظور جاد وتنموي؟حضارة الشرق احتضنت أقدم مجتمعات عرفها التاريخ، ومنذ ارتباطها بمنطقة الخليج منذ القدم كان لها النصيب الأكبر في صقل المهارات التجارية الخليجية لارتباطها بالرحلات التاريخية الاقتصادية من الموانئ التجارية في منطقة الخليج العربي وشرق آسيا وإليها.
وكانت الدول الخليجية رغم شح الموارد تتمتع بجاذبية اقتصادية تجاه دول الشرق، فاستقطبت الرحلات الاستكشافية اليابانية والتجارية الهندية والصينية.وبعد ظهور النفط ازداد الاهتمام الآسيوي بمنطقة الخليج وتحول من اللؤلؤ والأخشاب وتجارة الترانزيت إلى الطاقة والموارد الطبيعية الغنية حتى أصبحت محوراً جديداً لتكريس العلاقات بين الشرق والخليج.تاريخياً... استطاعت اليابان بعد تخطيها مراحل الحروب "الايدو" ومراحل الإصلاح "الميجي" أن تحول الإصلاح الاقتصادي إلى مراحل ملموسة، فأصبحت دولة ذات نفوذ وتأثير عالميين.أما الصين؛ أكبر قوة تجارية في العالم بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان، فنجدها كغيرها من أعضاء المعسكر الشرقي استسلمت لآثار العولمة وتأثيرها على علاقاتها بالعالم أجمع وتبنت استراتيجية إدارية في إصلاحاتها الداخلية، وسلكت أيضاً الطرق الوعرة بمساريها الاقتصادي والسياسي فتحولت، بعد انهيار التجارب الشيوعية وفشلها، إلى نظام يميل إلى "الإدارة" أكثر من الإيديولوجيا.وأعني بـ"الإدارة" هنا التركيز في عملية الإصلاح على إنشاء إدارات للتعامل مع القضايا الخاضعة للتغيير كتلك الخاصة بالأقليات والديانات للتعامل مع التغييرات الداخلية والإقليمية منها والقومية، والديانات المتعددة أيضا كالبوذية والإسلام والمسيحية وغيرها. والحقيقه أن العديد من دول الشرق الآسيوي نجحت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي في تعزيز جاذبيتها الاستثمارية، ولابد أن يكون لنا، كخليجيين، في التجارب الصينية واليابانية دروس وعبر.وفي ذلك السياق، أذكر قبل فترة بسيطة عندما طالعتنا الصحف بخبر رغبة رئيس وزراء الصين بزيارة دول الاتحاد الأوروبي، والذي تبعه ارتفاع عدد المقالات الأوروبية الناقدة لسياسة الصين تجاه المعارضين الصينيين. فقامت الصين بإصدار تقارير حول الوزن الاقتصادي الصيني وغيرت استراتيجيتها الخارجية (أو بالأحرى المحور الاستراتيجي في سياستها الخارجية) بحذر مستخدمة الدبلوماسية العامة تجاه دول الاتحاد الأوروبي، ثم أطلقت سراح المعارضين، وذلك لإنجاح الزيارة لما لها من مردود اقتصادي واستراتيجي مهم. أصدر بعدها الاتحاد الأوروبي بياناً مرحباً بالصين، وحدث اللقاء الصيني الألماني، ثم الصيني البريطاني، ودول المجر بتوقيع أربع عشرة صفقة تجارية من الوزن التنموي الثقيل.نستخلص من ذلك أن التعامل مع التغيير سواء كان عبر النموذج الشرقي أو الغربي يتطلب النهج الإداري الناجح، والصين رغم التحفظ على تعاملها مع حرية تداول المعلومات فإنها واجهت أخطاءها بإنشاء مؤسسات محلية، وأعادت ترتيب أولويات سياستها الخارجية واضعة التجارة والاقتصاد في المقدمة لضمان استمرار الاستراتيجية.* كلمة أخيرة...باقة ورد للسفيرات الكويتيات في الاتحاد الأوروبي، وعميدة السفراء العرب نبيلة الملا، ورئيسة بعثة مجلس التعاون لدول الخليج السفيرة أمل الحمد، فأغلب من التقينا بهم خلال حضورنا جلسات البرلمان الأوروبي والحلقات النقاشية لدى الجامعات البلجيكية، شهدوا بأنهن خير من مثل الكويت والخليج في تلك المنطقة.