فائض الفحولة العربية... ولاجئات سورية

نشر في 30-09-2012 | 00:01
آخر تحديث 30-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 ياسر عبد العزيز لن يكلفك الأمر سوى نظرة سريعة إلى إعلانات "المقويات الجنسية" على شاشات الفضائيات الرخيصة، أو زيارة قصيرة لعيادات "أمراض الذكورة"، أو استعراض بسيط لإحصاءات موثوقة عن "الحالة الجنسية" في العالم العربي، لتتأكد أن "الحالة ليست على ما يرام"، وأن المبيعات المتصاعدة لحبوب "الفياغرا" ليست سوى الدليل الأوضح على ذلك.

لا شك أننا المنطقة الوحيدة في العالم التي يستخدم أبناؤها حبوب "الفياغرا" كرشوة انتخابية، أو كـ"إكرامية" للموظفين وأصحاب النفوذ، أو كـ"هدايا دورية" للأصدقاء والمعارف، أو كمقابل مرحب به جداً لخدمات وبضائع.

إنها "حالة جنسية" متردية بكل تأكيد، ومع ذلك فإن الهوس يصاحبها من ناحية، والتنطع يلازمها من ناحية أخرى.

وفي الوقت الذي تشير فيه دراسات موثوقة إلى ارتفاع نسبة الرجال العرب الذين يعانون الضعف الجنسي مقارنة بالمعدلات العالمية، وإلى تصدر دول عربية بعينها قوائم دول العالم الأكثر إنفاقاً على "المقويات الجنسية"، فإن ثمة من يحاول أن يقنعنا بوجود "فائض فحولة" لدى الرجال العرب، يجعلهم في بحث دائم عن إيجاد وسائل لـ"تصريف" هذا الفائض.

يظهر ذلك بوضوح في مطالبة حزب تونسي مثلاً بالنص على تعدد الزوجات في الدستور، أو "اعتماد نظام الجواري" لـ"تصريف الفائض الجنسي"، أو مطالبة عالم دين مغربي بإقرار "مضاجعة الوداع"، لتمكين الزوج الأرمل من التمتع بزوجته بعد موتها وقبل دفنها، أو مطالبة جماعات دعوية مصرية بـ"خفض سن زواج الفتاة".

يريد البعض، تنطعاً أو تديناً، أن يقنعنا بأن ثمة "فائض فحولة" في عالمنا العربي يبحث عن مجرى "شرعي" لتصريفه، وحين يفعل ذلك فإنه يهين أفضل القيم ويرتكب أسوأ الحماقات.

تقول الأخبار إن هوساً يجتاح مناطق عديدة في العالم العربي اسمه "الزواج من لاجئة سورية"، وأن هذا الهوس، مع الأسف الشديد، يتخذ ستاراً من الدعاوى الدينية والقومية والإنسانية النبيلة.

يؤكد دومينيك هايدي الممثل المقيم لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، في الأردن، أن الصندوق "يدرك مشكلة تزويج القاصرات السوريات اللاجئات في الأردن"، ويعبر عن قلقه في شأن هذا الزواج المبكر "الذي يُستخدم كآلية للتأقلم مع الأوضاع".

بسبب محاولة التأقلم مع الأوضاع يضطر لاجئون سوريون إلى تزويج بناتهم القاصرات من رجال عرب "تفادياً للاغتصاب والتشريد"، وللسبب نفسه يذهب خليجيون وأردنيون وليبيون وعرب آخرون إلى معسكرات اللاجئين لـ"الزواج من حورية سورية"، مقابل ألف ريال سعودي أو مئتي دينار أردني.

يقول داعية إسلامي على موقعه على الإنترنت: "انصروا إخوانكم السوريين وتزوجوا السوريات اللاجئات نصرة للقضية السورية"، ويخطب خطباء مساجد في الجزائر داعين إلى "زواج السترة" من السوريات.

لقد دفع الأمر صاحب صفحة "سوريات مع الثورة" على "فيسبوك" إلى نشر إعلان يقول "لا نقبل طلبات زواج من لاجئات... رجاء لا ترسلوا مثل هذه الرسائل".

باتت المسألة مهينة وموجعة جداً للسوريين وغيرهم من العرب الغيورين، إلى حد أن صفحة على موقع "فيسبوك" صدرت بعنوان "لاجئات لا سبايا"... تريد الصفحة أن تقول إنه "يمكنك أن تساعد اللاجئات وعائلاتهن بطريقة غير الزواج منهن".

في مارس من عام 1992، أعلنت البوسنة والهرسك رسمياً استقلالها عن يوغسلافيا، وهو الأمر الذي فتح أبواب جهنم على شعبها، الذي تعرض لما وُصف آنذاك بـ"حرب إبادة وتطهير عرقي"، من قبل الآلة العسكرية الصربية؛ حيث تم اغتصاب نحو 60 ألف سيدة وفتاة وطفلة بوسنية وفق بعض التقديرات.

والحق يقال، فقد هبت الولايات المتحدة وحلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي للعمل عسكرياً أو سياسياً لإيقاف آلة الحرب الصربية، كما هب العالم الإسلامي، وفي القلب منه الدول العربية، إلى أعمال إغاثية وأنشطة نصرة عديدة، من بينها إقامة المستشفيات وإرسال التبرعات والحشد السياسي والإعلامي واستضافة اللاجئين واللاجئات البوسنيين.

ومن ضمن "الأنشطة الإغاثية" التي شاعت في العالم العربي آنذاك كان هناك نشاط فريد من نوعه؛ تمثل بعروض زواج كثيرة تقدم بها رجال عرب مسلمون "غيورون على الدين" إلى عدد من اللاجئات البوسنيات، اللائي يتمتعن، إلى جانب أنهن مسلمات ومضطهدات ومشردات، بوجوه فتيات أوروبا النضرة وأجسادهن الفارعة المشربة بالحمرة.

وتكثفت حالة الإقبال على محاولة الزواج من إحدى اللاجئات البوسنيات، باعتبارها نوعاً من أنواع نصرة هؤلاء المسلمات، حتى قيل إن مئات منهن فوضن الشيخ ابن باز لتزويجهن من أي من الشباب العرب المتدينين، كما راح رجال أعمال عديدون يطرقون أبواب السفارات ومراكز الإغاثة ودور الإفتاء، سائلين عن فرصة لـ"عمل الخير" عبر الزواج من إحدى "المشردات" البوسنيات.

كان الأمر مثيراً للإعجاب من جهة؛ إذ كشف عن شعور ديني عارم تجاه الأخوات في الإسلام واستعداد للفعل الإيجابي المحمود، كما كان مثيراً للتساؤل من جهة أخرى؛ إذ كانت الأخوات المسلمات يتعرضن للاغتصاب والتشريد أيضاً في الصومال وفي كشمير وفي الأحياء العشوائية وبيوت الأثرياء في غير مدينة عربية، لكن أحداً لم يقدم أبداً على عرض الزواج منهن.

يبدو أن الشارع العربي لا يحشد قواه لمواجهة الظلم الواقع على العرب والمسلمين لوجه الله دائماً؛ إذ تظهر المصالح والأغراض الزائلة عامل تأثير مهماً في مقاربة الكثير من النوازل التي تلم بالمسلمين.

والآن يقول بعض المدعين والمتنطعين إنهم يريدون "ستر" اللاجئات السوريات، أو "إنقاذهن" من مهانة النزوح وعواقب التشرد، فيرسلون الرسائل، ويدبجون الطلبات، أو يسافرون بالطائرات، للحصول على "حورية سورية"، على طريقة "حج وتجارة سبح"، ويتناسون في الوقت نفسه أن هناك مئات الآلاف من النسوة المسلمات المشردات في الصومال وأفغانستان وباكستان والسودان والأحياء العشوائية الفقيرة التي تقع على بعد كيلومترات معدودة من بيوتهم.

كفى تنطعاً وادعاءً، وانصروا السوريين بطريقة أخرى غير "سبي" بناتهم.

* كاتب مصري

back to top