البطل التاريخي، الخالد وربما المقدس في نظر البشرية حتى قبل مئة عام كان هو الذي أفنى شعباً بكامله أو علق رؤوس أعدائه على مداخل وأسوار العاصمة، ليس البطل في عصور الدماء هو الأديب أو العالم أو الفيلسوف، بل هؤلاء هم أول من يصفيهم البطل التاريخي متى ما شعر أنهم أثروا في الناس سلباً ضده أو رفضوا تأدية فروض التذلل والمديح في بطولاته في مجلس العامر.

Ad

وحتى أكون منصفاً فلكل زمان أحكامه ومقاييسه الخاصة، ولو نظرنا إلى البطل الماحق من زاوية توفير الأمن وتعزيز القوة والهيبة ونشر المعتقدات لمساحات أكبر لوجدنا في تلك الزاوية الكثير من الإقناع لأزمنة بدائية لم تعرف احترام الحدود والمواثيق، أزمنة كانت الدول والبشر يُقسَّمون فيها على طاولة المفاوضات كقطع الأثاث المهمل أو حتى كالماشية بوصف أدق.

البشرية بكل ما تضمه من أقوام وألوان تغيرت نظرتها للبطل التاريخي بتغير نظرة مجموعة من الشعوب الفاعلة حضارياً وفكرياً، ولم يبق على النظرة القديمة سوى الشعوب البدائية التي تستمتع بمشاهدة عملية الإعدام وتصوير تلك اللحظات الخانقة بكاميرات الهاتف المحمول، الشعوب التي تتناقل بكل حماسة فيديوات قطع الرؤوس ودفن الناس أحياء لحجة اكتشاف ما هو مكتشف ومعرفة ما معلوم، فنظام دموي مثل نظام صدام حسين لما احتاج إلى ملاحقة ما يسربه من حفلات الدم الجماعي غير شهوة الدم الكامنة في أعماقنا دون أن نشعر بها.

شهوة الدم هي التي تدفعنا إلى المطالبة بالقتل دون محاكمة أو تثبت، هي التي تجعلنا نتغاضى عن جرائم القتلة ونركز على فحولتهم في ميادين القتال، هي التي تجعلنا نهب بنشاط في أي موقع يثار فيه عدم جدوى القتل في تحقيق الردع المزعوم.

إنني على يقين في زمن القراءة المعكوسة وتأثيرات شهوة الدم المندسة بين أضلعنا، أن ما سطرته سيفهم عكس مقاصده وسيحاول البعض الاستشهاد بحب ما تسمى بالشعوب المتحضرة لرؤية مشاهد الدم، وردي أن البشر على اختلافهم في كل شيء تمايزوا في قدرتهم على التغلب على مشاعرهم السلبية وفي سن التشريعات والآليات التي تضمن لهم تحقيق الإنصاف والعدالة دون الحاجة إلى استعمال القوة، وبمعنى آخر لقد صنع الإنسان المتحضر أبطالاً جدداً في مجالات عديدة غير مجال القتل وسفك الدماء.