نجاح عمل لجان التحقيق البرلمانية التي تكتسب أهمية بالغة في هذا المجلس بالذات يتطلب: أولاً، تزويدها بمتخصصين محترفين يساعدون الأعضاء على معرفة القضايا الفنية، وثانياً، المحافظة على سرية اللجان ومهنيتها، وثالثاً، توفير أقصى الضمانات للحفاظ على سمعة من تستدعيهم لجان التحقيق لأن التحقيق البرلماني لا يعني الإدانة.

Ad

استهل المجلس الحالي عمله بتشكيل العديد من لجان التحقيق البرلمانية التي من أهمها لجنتا التحقيق في "الإيداعات المليونية" و"التحويلات الخارجية"، ليكون بذلك أول مجلس في الحياة البرلمانية يشكل عدداً كبيراً من لجان التحقيق البرلمانية في بداية دور الانعقاد الأول.

ولعل لذلك أسبابه المبررة وبالأخص المطالبات الشعبية التي كانت ولاتزال تطالب بالكشف عن الفاسدين الكبار الذين نسمع بهم منذ عقود طويلة لكننا، مع كل أسف، لم نر أحداً منهم يحاكم أو يوضع في السجن.

أضف إلى ذلك تذمر الناس من أن الاستجوابات البرلمانية كافة التي تمت في السابق كان يترتب عليها، في أفضل الأحوال، استقالة الوزير المعني أو تدويره إما في الحكومة نفسها أو في حكومة قادمة مع بقاء المخالفات الجسيمة التي استجوب بسببها على ما هي عليه، بل واحتفاظ المسؤولين التنفيذيين الكبار من وكلاء وزارات ووكلاء مساعدين ومديري مؤسسات عامة بمناصبهم نفسها عقوداً طويلة رغم مسؤوليتهم التنفيذية المباشرة عن المخالفات الجسيمة التي قدم الاستجواب بناء عليها والتي يكررها ديوان المحاسبة في تقاريره كافة منذ إنشائه حتى الآن!

لهذا تكتسب لجان التحقيق البرلمانية باعتبارها لجاناً سياسية وليست لجان تحقيق جنائية أهمية قصوى، لأنها ستوفر المعلومات والبيانات والقرائن والأدلة الدقيقة التي قد لا تتوافر في الظروف العادية، كما أنها ستسمي جميع المسؤولين الذين من المفترض، في حالة وجود شبهات فساد، أن يقدموا مباشرة إلى النيابة العامة ثم إلى المحكمة التي إما أن تدينهم وإما أن تبرئهم.

من هذا المنطلق، فإن نجاح عمل لجان التحقيق البرلمانية التي تكتسب أهمية بالغة في هذا المجلس بالذات يتطلب أولاً تزويدها بمتخصصين محترفين يساعدون الأعضاء على معرفة القضايا الفنية التي قد يجهلونها أو قد لا يسعفهم الوقت لمتابعتها.

كما يتطلب ثانياً المحافظة على سرية اللجان ومهنيتها من خلال الالتزام باللائحة الداخلية حتى لا يفسح المجال لمن يريد أن يفشل عملها في أن يطعن بعدم مهنيتها أو عدم سريتها.

ويتطلب ثالثاً توفير أقصى الضمانات لحفظ سمعة الأشخاص الذين تستدعيهم لجان التحقيق لأن التحقيق البرلماني لا يعني الإدانة بأي حالة من الأحوال، فذلك من اختصاص السلطة القضائية وحدها.

أخيراً، فإن وجود لجان التحقيق البرلمانية لا يلغي أبداً أداة الاستجواب كأداة دستورية قد يترتب عليها الإدانة السياسية للوزير المستجوب، بل على العكس من ذلك فإنه سيعززها ويجعلها أكثر فعالية في المستقبل.