أدّبني الحب...!

Ad

أدّبني الحب...

علّمني الكثير...

حين ظننت يوماً أن أمر قلبي بيدي، كسر يدايّ الاثنتين، وجعلهما معلقتين على صدري إلى أن آمنت بأني لا أملك من أمر قلبي شيئا!

حين ملأني الغرور بذاتي، وتوشّحت الكبرياء حلّة أختال بها، وتوهمّتُ أنني قادرٌ على أن أخطّ على صفحة الرمل ما أشاء من الأغاني ولن تستطيع الريح محو ما أخط، قام الحب بتحويل كل اليابسة من حولي إلى رمال متحركة لتلتهم ما خطّيت ومن بعد ذلك التهمتني، وحين كنت متيقّناً من قدرتي على نقش ما أريد من أماني في دفتر الماء ولن يتمكن أحد من مسح ذلك النقش برمية حجر، قام الحب بإحراق الماء وإحالة نقشي إلى حفنة رماد!

كسر الحب غروري ومزّق رداء كبريائي، فآمنت بقلّة حيلتي وتعايشت معها في كثير من الظروف، وحين كنت أظن أن الصبر سجّادة العاجز فقط، و"سبحة" اليائس، وعزاء المتخاذل، ودواء ليس شافياً وإنما مسكّنا لألم الضعفاء، أجبرني الحب على الوقوف طويلاً في طابور المنتظرين دورهم للتسجيل في مدرسة الصبر، وليس في الفصول المتقدمة وإنما في الفصول التمهيدية، وكان مجرد قبولي في تلك المدرسة مدعاة للفرح، وحين انتظمت بها لم أكن أجيد نطق حرف "الصاد" ولا "الباء" ولا حرف "الراء"، كنت ألثغ بتلك الأحرف، وأحيانا كنت أغصّ بها، الغريب أنني كنت قادرا على نطق كلّ حرفٍ منها على حدة، ولكني لا أستطيع نطقها مجتمعة، الحب كان معلمي في تلك المدرسة، عاملني بقسوة شديدة، أذاقني المُرّ، لم يكن رؤوفا رحيماً، حتى تمكنت من نطق كلمة "صبر" لأول مرة، بعده اختلفت شخصية معلمي معي تماما، فأصبح يعاملني بعطف بالغ وحنوّ... مازلت في مدرسة الصبر أدرس، وبشهادة الحب معلمي أنا من التلاميذ المجتهدين، الحريصين على أداء فروضهم وإن لم أصنّف بعد من الصابرين!

حين كنت أظن أن العمر لا ينضب، وأن اللحظات نهر جارٍ، وكل يوم يمرّ هناك يوم آخر بديلا عنه ينتظر على باب الفجر، وكل ساعةٍ أخسرها هناك عدد من الساعات لا يحصى يعوّضها، قام الحب بحبسي بزنزانة مظلمة ليس فيها سواي وقتاً طويلاً، لم أعد أعلم إن كانت أياماً أم سنيناً، اختلطت علي الأوقات في ذلك الحبس، كانت إحدى أمانيّ أن أعرف فقط ما الوقت في لحظة ما؟! وهل أصبحت في يومٍ آخر، أم أنني ما زلت في ذات اليوم؟! اختلطت الأيام بالثواني ولم أعد أفصل بين أيّ منهما!

كان قد أخبرني قبل أن يُقفل باب زنزانتي أنني سأبقى بها إلى أن أموت، فقضيت ما قضيت في ذلك الحبس أندب العمر الذي سيذهب هباء، الأكثر ألماً أنني لم أكن سأعرف كم من العمر ذلك الذي سيذهب هباء لأنني لا أستطيع عدّ الأيام في ذاك الظلام الدامس!

حين أفرج عني تعلّمت عدّ الثواني وليس الأيام والأهمّ معرفة قيمتها!

أشياء كثيرة علمني إيّاها الحب بخلاف ما سبق تجعلني أقول:

أدّبني حبي فأحسن تأديبي!