من المؤسف ألا يحضر أي وزير خارجية عربي اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي صوت بأغلبية ساحقة (138 صوتاً) على تحويل فلسطين من "كيان" مراقب إلى دولة مراقبة في هذه الهيئة الدولية، وأن الوحيد من "أبناء العمومة" الذي حضر هو وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الذي يجب الاعتراف بأنه أبلى بلاءً حسناً، وأنه كان نجم هذا الاجتماع، وأنه وضع تركيا، التي غابت عن العرب وغابوا عنها أكثر من ثمانين عاماً، في الموقع الذي تستحقه، سواء في الإقليم أم في المنطقة أم في الساحة الدولية.
إن هذه مسألة لابد من التوقف عندها على اعتبار أنه لو كان وزراء الخارجية العرب كلهم في هذا الاجتماع التاريخي لأشعروا العالم بأن وراء الفلسطينيين أمة حية تعتبر فلسطين والقدس في سويداء القلب وفي بؤبؤ العين، أما المسألة الأخرى فهي ضرورة توجيه التهنئة لشعب شقيق استطاع بكفاحه وشهدائه وعذاباته وصبره أن يضع أقدامه فعلاً على بداية إقامة دولته المستقلة المنشودة وعاصمتها القدس، وهنا لابد من توجيه التحية للرئيس محمود عباس (أبو مازن) الذي قيل فيه وفي وطنيته وفي مشروعه هذا أكثر مما قاله مالك في الخمر، والذي لم يرضخ للضغوط التي مورست عليه وبعضها عربية للأسف، وواصل العمل والإصرار إلى أن وصل إلى ما سعى إليه وأراده.قبل أيام من هذا الانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني العظيم الرافض لأي وطن بديل عن وطنه، طالب فرسان المزايدات الكلامية بحل السلطة الوطنية وإلغاء منظمة التحرير وبتنحي (أبو مازن) ورحيله وطالب هؤلاء وغيرهم أيضاً بالعودة إلى ما قبل الخامس من يونيو (حزيران) وإعلان "الإفلاس" وإعادة الضفة الغربية إلى الأردن، الذي لم يسع إلى استعادتها والذي يصر ويواصل الإصرار على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وإعادة قطاع غزة إلى الإدارة العسكرية والأمنية المصرية، لكن (أبو مازن) الذي اختار أسلوب، ومنهج المهاتما غاندي ونلسون مانديلا في النضال وفي المقاومة الشعبية لتحقيق الخطوة الأولى على طريق طويل، وهذه الخطوة تحققت باعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بفلسطين عضواً مراقباً في هذه الهيئة الدولية.لقد كانت أُمنية بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي كله أن يخضع (أبو مازن) لابتزاز المزايدين وفرسان الكلام الذين اتهموه بالتفريط وبالاستسلام، وأن تنجح كل المساعي التي بُذلت من داخل الساحة الفلسطينية وخارجها لتوريط الرئيس الفلسطيني والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير بعمليات انتحارية كتلك التي أعقبت كارثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، ولعل ما لم يعد خافياً أن الهدف الرئيسي لهذه الحرب الأخيرة على غزة هو قطع الطريق على ذهاب محمود عباس إلى نيويورك بمشروع الاعتراف بفلسطين على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، ومن ضمنها القدس الشرقية كدولة مراقبة، وهذا هو ما صوتت عليه الجمعية العمومية بأغلبية كاسحة.قد لا يعرف كثيرون أن (أبو مازن) قد اختار هذه الصيغة "الغاندية" في النضال والكفاح في وقت متقدم جداً، وأنه قد رأى في السنوات الأخيرة أن عليه ألاّ يستمع إلى صراخ المزايدين وإرغائهم وإزبادهم، وأنْ يحسم الأمر بسرعة، وأن يلتقط اللحظة السانحة وأنْ يضرب ضربته وألا يرضخ للضغوط التي مورست عليه، وفي طليعتها ضغوط الولايات المتحدة وضغوط بعض الدول العربية!
أخر كلام
على الطريقة «الغاندية»!
05-12-2012