عندما نصح الطبيب والدي بالإقلاع عن التدخين وترك السجائر، قال له والدي: أجل وش أفرح بُه... هذه الجملة بت أرددها بيني وبين نفسي في هذا الوقت العصيب الذي نمر به وتمر به أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج، ففي هذا التوقيت بالذات بت فيه مثل والدي لا أجد ما أفرح به، فكل ما حولنا بات محبطا، حزينا، مكتئبا وفاقدا لكل مصداقيته، ولم يعد هناك أي بصيص للأمل حتى نعقد عليه أحلامنا، فكل ما حلمنا به كان أكذوبة، مجرد أوهام يتسلى بها الحالمون حتى تأتيهم الإفاقة التي مهما تأخر توقيتها، فحتما الكل سيصلها لاختلاف زمن توقيتنا العمري والإدراكي، وحينها سيصل إلى مرحلة فقد الإيمان بأي شيء، وفقده لمصداقية أي شيء.

Ad

يقولون ان الإنسان عندما يصل إلى الأربعين من عمره تكون أحداث الدنيا قد دارت عليه مرتين وانه قد فهمها واكتشف كل ألغازها ومكر ألاعيبها وأكاذيب من يعقد أحابيلها، هذا الكشف يصله كل من عبر إلى بر أربعينه، فماذا عمن تعدى أربعينه بأعمار؟

كيف ستكون أحداث الدنيا بالنسبة له، وكيف سيراها بعينه، وماذا سيكون تأثير وقعها عليه، وهي تدور وتكرر نفسها في ذات المسرحية باختلاف أقنعة البهاليل ولاعبي السيرك فيها؟

بصراحة يجب أن أعترف بوصولي إلى هذه المرحلة التي يفقد بها المرء كل حماسة الشباب "الهبلة" اللاهثة والراكضة خلف الأحلام وبيارق الشعارات المزيفة التي تلعب بمشاعر وأحلام الناس بأوطان تحقق لهم الأمان والعيش بكرامة إنسانية يستحقونها وتحق لهم.

اليوم أجدني قد فقدت إيماني وتصديقي بكل شيء، فلم يعد لدي مصداقية لأي شيء، وأنا أرى كل ما حولي يتداعى وينهار وتنكشف أكاذيب لعبته، فبمن أصدق اليوم؟

بهذا الربيع العربي الذي اُختطف من أيدي من دفع ثمنه بدمه ليصل بسهوله لأيدي من تلطخت يده بدم قتيله، ولنسمع شعاراته الكاذبة السمجة بوطنية مدعية فقدت كل مصداقيتها في كل الأوطان العربية والخليجية، فليس هناك أي وطنية باقية إلا وطنية تكتل المصالح التي تصب في الجيب، وباتت الوطنية كلها وبجميع أشكالها ورموزها ليست إلا عصبة حرامية وعسكرا وجد ليحميها، حتى بتنا نُحسد لأننا كنا آخر شاهد عليها والتي كانت متمثلة في رمزها جمال عبدالناصر الذي قضت عليه وطنيته التي تعدت حدودها.

اليوم الكل يتلاعب بألفاظ الوطنية من المحيط إلى الخليج، ولا واحد من أي من رموزها أو أشكالها هو وطني بحق، فمفهوم الوطنية ضاع بشعارات واجهتها بريق زائف ومضمونها مصالح شخصية فقط،، ونتائجها أوطان ممزقة مسروقة منهوبة، وشعوب جائعة متهالكة فاقدة لإيمانها ومستقبلها.

فبماذا نصدق اليوم وكل ما حولنا ليس إلا أكاذيب ومؤامرات كبيرة محاكة ومدبرة من أطراف وكتل تعدت أوطانها وتعددت في تشابك مصالحها الشخصية التي ليست مصلحة المواطن من ضمنها، وكيف للمواطن العادي أن يفهم ويحل شبكة ألغازها وهي التي باتت بأيدي لاعبين ومقامرين مهرة تعددت وتعقدت سبل وأشكال وسائل ألعابهم؟

من المحيط إلى الخليج نحن نُسرق ويُلعب بنا وبمصائرنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا، فمن هم المسؤولون عن سرقة أحلامنا وأمننا واستقرار بلادنا؟

الأوضاع المتخلخلة المقلقلة المضطربة التي نعيشها اليوم سواء على المستوى العربي أو الخليجي والكويتي بالذات، هذا الوطن الصغير الذي لم ينس بعد كارثة حرب الغزو الصدامي، باتت القلاقل والفتن تهز أمنه ومستقبله ومستقبل من يعيش فيه، وتفتتت وحدة بنيانه وتلاحم مواطنيه، لمصالح كتل وفئات تنحر في وطنيته لمآربها ومطامعها الغامضة الخاصة، فالكل يلعب ويغني مواله الذي ليس من ضمنه أو أولوياته مصلحة الوطن ومن فيه.

شعارات ملونة براقة ليست أكثر من فقاقيع لأكاذيب كبيرة تتخفى خلفها المصالح المتورمة لمن يتشدق بها.

المهم أنه لم يبق هناك طعم ولا مصداقية لأي شيء يتخفى خلف ثورات وانقلابات وشعارات لوطنيات نضالها يصب في مصالحها.   

فبماذا نحلم أو نأمل أو نترجى من أوطان بلا أنبياء، وكل ما حولنا يدفع إلى الشعور بالمرارة والعطب واليأس؟

وكل الذين ماتوا والذين استشهدوا، والذين سيموتون وسيستشهدون لقضايا أوطان يظنون انها حقيقية، سيذهب دمهم هدرا وستسرق أحلامهم وأهدافهم وأعمارهم لعصابات عرفت كيف تستغلهم.

فماذا بقي لنا لنفرح به؟