من سيكسب مصر؟

نشر في 30-05-2012
آخر تحديث 30-05-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت لم يكن كل ما أحاط بالثورة في مصر متوقعاً، ومن الواضح أن نتائج الجولة الأولى من أول انتخابات رئاسية تنافسية تشهدها البلاد على الإطلاق لم تكسر هذه القاعدة. والواقع أن صعود آخر رئيس وزراء عينه الرئيس السابق حسني مبارك- الفريق أحمد شفيق، الذي سيدخل الجولة النهائية من الانتخابات الرئاسية جنباً إلى جنب مع مرشح جماعة "الإخوان المسلمين" محمد مرسي- أثار قدراً كبيراً من الدهشة في الأطياف السياسية المختلفة. ويصدق القول نفسه على الصعود الصاروخي المبهر للمرشح الناصري حمدين صباحي إلى المركز الثالث، وانتهاء عبدالمنعم أبوالفتوح، الذي كان مدعوماً من قِبَل الليبراليين والإسلاميين السلفيين المتشددين على السواء، إلى المركز الرابع.

لقد اختار الناخبون المصريون الثورة بأغلبية ساحقة مفضلين إياها على النظام القديم، وحطموا الأسطورة التي زعمت أن الدَّفعة من أجل التغيير كانت ظاهرة مرتبطة بأبناء الطبقة المتوسطة الحضرية في القاهرة: فقد حصل المرشحون الثوريون الثمانية على أكثر من 16.4 مليون صوت، ولكن فشلهم في حشد جهودهم حول خطة موحدة أفاد بشكل مباشر الفريق أحمد شفيق، الذي خالف كل التوقعات وفاز بنحو 5.9 ملايين صوت (على افتراض عدم وجود حالات تزوير لمصلحته).

لقد أصاب نجاح شفيق العديد من الثوريين بالصدمة. يقول أحد الناشطين: "إنه قاتل، ومكانه في السجن وليس على رأس السلطة في مصر بعد الثورة". كان اسم شفيق مرتبطاً بالعديد من قضايا الفساد والقمع، بما في ذلك "موقعة الجمل" في الثاني من فبراير 2011، عندما هاجم أتباع مبارك ميدان التحرير فقتلوا المتظاهرين وأصابوهم بجراح.

إن صعود شفيق قابل للتفسير من بعض الجوانب، ولكنه يثير قدراً كبيراً من الدهشة من جوانب أخرى. ففي صعيد مصر، وعلى حد تعبير مصدر مقرب من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، "صوت أكثر من 60% من المسيحيين له"، وفي المناطق ذات الأغلبية المسيحية، تجاوز التصويت لمصلحة شفيق 95%، لأن من صوتوا لمصلحته يرون أنه يمثل حصناً ضد تيار الإسلام السياسي.

فضلاً عن ذلك فإن العديد من موظفي الدولة (نحو 5.1 ملايين منهم يحق لهم الإدلاء بأصواتهم) وأسرهم دعموا شفيق، إما بتعليمات مباشرة من رؤسائهم، أو في محاولة للتصدي للتهديد المتصور المتمثل في نفوذ "الإخوان المسلمين" المتصاعد داخل الجهاز البيروقراطي الحكومي. كما حصل شفيق على الدعم والتمويل من حزب مبارك الوطني الديمقراطي المنحل، فضلاً عن أصحاب المصالح التجارية والأمنية الذين استفادوا من الوضع الراهن.

ولكن هذا لم يكن كافياً لتفسير هزيمة مرسي في معاقل "الإخوان المسلمين" التقليدية. ففي محافظة الشرقية، وهي معقل لدعم المتشددين من المنتمين إلى جماعة "الإخوان المسلمين" حيث يبلغ عدد الناخبين 3.5 ملايين ناخب، هزم شفيق منافسه مرسي بفارق تجاوز 90 ألف صوت. وفي محافظة الغربية، وهي معقل آخر من معاقل "الإخوان المسلمين"، هزم شفيق منافسه مرسي بفارق تجاوز 200 ألف صوت.

قمت بمقارنة النتائج مع أداء جماعة "الإخوان المسلمين" في الانتخابات البرلمانية التي جرت في وقت سابق من هذا العام، فوجدت أن "الإخوان" خسروا ما بين 25% إلى 48% من دعمهم في دلتا النيل (اعتماداً على المنطقة)، حيث يعيش نحو 40% من المصريين. وعلى افتراض عدم وجود ألاعيب غير قانونية، فقد حصل شفيق على نحو مليوني صوت في أربع محافظات في الدلتا: الشرقية، والغربية، والمنوفية، والدقهلية.

إن "الإخوان"- الفصيل السياسي الأكثر قوة على الأرض، والأكثر تضرراً بالقمع في ظل حكم مبارك- يراهنون بالكثير على هذه الانتخابات. ولكن بدلاً من توحيد أنفسهم لتحسين فرصهم، انقسم دعمهم الشعبي بين ثلاثة مرشحين، وصل اثنان منهما- مرسي وأبو الفتوح- إلى المربع الذهبي.

وكان دعم السلفيين لعبدالمنعم أبوالفتوح، الزعيم المعتدل بين قادة جماعة "الإخوان المسلمين" سابقاً، بمنزلة سلاح ذي حدين، لأنه كان سبباً في تنفير العديد من الليبراليين والاشتراكيين الذين كانوا ليصوتون لمصلحته لولا هذا. كما انصرف عنه أغلب الثوريين الذين لا يريدون مصر التي يهيمن عليها الإسلاميون، فذهبت أصواتهم إلى حمدين صباحي، الذي ينتمي إلى المعسكر الناصري اليساري الميل، والذي فاجأ المراقبين بحصوله على 5.4 ملايين صوت.

الواقع أن نتائج الجولة الأولى كشفت عن قوة الكتلة الثورية غير الإسلامية، فضلاً عن رغبة المصريين في معاقبة الإسلاميين عن أدائهم الهزيل في البرلمان. فقد أعطى ستة من كل عشرة مصريين أصواتهم لمصلحة الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية. ثم انخفضت هذه النسبة إلى أربعة من كل عشرة في الانتخابات الرئاسية.

لا شك أن مرسي، الذي احتل المركز الأول بعد حصوله على ستة ملايين صوت، استفاد من وقوف آلة الجماعة القوية التي تتسم بالانضباط والتفاني والخبرة من خلفه. وكان هذا يعني حملة انتخابية متمرسة تمكنت من التوغل عميقاً في المجتمع المصري، في المناطق الحضرية والريفية، ولعبت فيها المرأة دوراً رئيسيا. في حوار دار بيني وأحد الناشطين السلفيين الذين دعموا عبدالمنعم أبوالفتوح قال لي: "هنا يتفوقون على السلفيين، فنسائهن خبيرات، ومنطلقات وجريئات ومدربات على الإقناع. أما نساء التيار السلفي فإنهن يتسمن بالخجل والانطوائية، ولا يمكنهن منافسة سيدات جماعة الإخوان المسلمين في حشد الأصوات".

والآن يتعين على "الإخوان المسلمين" أن يحاولوا إقناع 10.7 ملايين ناخب صوتوا لمصلحة أبو الفتوح وصباحي بدعم مرشحهم محمد مرسي في الجولة الثانية ضد شفيق. وربما كان لزاماً عليهم أن يحتفظوا بمنصب نائب الرئيس لشخص من غير الإسلاميين، مثل صباحي. وعلى نحو مماثل، يتعين عليهم أن يفكروا في تعيين أبو الفتوح، أو ربما محمد البرادعي الحائز على "جائزة نوبل"، في منصب رئيس الوزراء. وعلى الأرجح، سيضطر "الإخوان المسلمون" فضلاً عن ذلك إلى تقديم بعض التنازلات لضمان التمثيل المتوازن للإسلاميين وغير الإسلاميين في الجمعية التي يتعين على البرلمان أن يختارها لصياغة دستور جديد للبلاد.

إن الفائز بمنصب رئيس مصر سيواجه عقبات خطيرة في التصدي للوضع الراهن، نظراً لهيمنة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. فقد صيغت صلاحيات الرئيس في إطار إعلان دستوري في مارس 2011، ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يؤكد صدورَ إعلان دستوري آخر أكثر تفصيلاً بعد الانتهاء من الانتخابات. وهذا قد يعني إضعاف صلاحيات الرئيس وسلطاته، واحتفاظ الجيش ببعض مجالات الهيمنة- على الأقل إلى أن يتم تبني دستور جديد.

الأمر المؤكد الآن هو أن الانتقال الديمقراطي من غير الممكن أن يكتمل من دون ممثلين منتخبين يمارسون قدراً حقيقياً من السيطرة على الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة. وسيكون هذا بمنزلة الاختبار النهائي المطلق للثورة المصرية، والتحدي الأعظم خطراً لأي رئيس لا يريد العودة إلى الماضي.

* د. عمر عاشور، كبير محاضرين ومدير برنامج الدراسات العليا في سياسة الشرق الأوسط بجامعة إكستر البريطانية، وزميل زائر لدى مركز بروكنجز بالدوحة. وهو مؤلف كتاب "تحولات الحركات الإسلامية المسلحة"، ودراستي "تحولات الإسلاميين في الجزائر: نجاحات وإخفاقات"، و"إصلاح القطاع الأمني في مصر: المعضلات والتحديات".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top