مكمن السحر
![فوزية شويش السالم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928838345230500/1555928850000/1280x960.jpg)
لكن اللعب في توليد وتفجير طاقات اللغة لا يعني التكلف أو المشقة والانتباه الشديد لتفاعلات التركيبات في حروف الكلمات ومدى تفاعلها مع بعضها بعضا في تلاحم أو تشابك أو تجاور الكلمات والجمل في نسيج النص المكتوب التي غالبا ما تتوالد بطريقة إبداعية عفوية ناتجة من إدراك المبدع الخفي بها، والذي لا يشعره ولا يحس به وهو يكتب، لكنه مخزن في تلافيف وعيه المشبوك في شبكة خلاياه وأعصابه الحسية كلها القادرة وحدها وبجهودها الذاتية على الفرز والتميز والإدراك والفصل بين أدق المعاني وأرهفها وأنسبها للمادة التي تُكتب الآن، فتقوم بدفع أو قذف الكلمة المنحوتة والمصقولة والمشحونة بكل الانفعالات المطلوبة في هذا المعنى بالذات دون أي كلمة أخرى مشابهة لها أو قريبة من معناها، حس المبدع وحده يعرف كيف يأتي بالكلمة المضبوطة وليس أي البديلة أو المشابهة أو القريبة. خزان الوعي السري الغامض هذا هو ما يميز ويفرق ما بين الشعر الجيد والشعر الرديء أو النص الجيد والنص الرديء، وهو ما يتأتى من مدى حساسية الشاعر أو الكاتب وإدراكه بديناميكية اللغة وقدرتها على توليد طاقة حية جديدة من إدراك قادر على الغوص في مفاهيم اللغة واقتناص سحر تراكيبها وفتنة رنين حروفها وطاقة جذبها المغناطيسي لأحاسيس قارئها، هذه القدرة العجيبة التي اكتشف سطوتها الرهيبة، واستغلها كبار السحرة في الإيحاء واستلاب المرضى الذين يلجأون لهم، فالسحر ليس إلا استغلالا لطاقة الحروف المغناطيسية وتجميعها في جمل تمنحها حقولا من طاقة إيحائية تؤثر في متلقيها، وهو الأمر والتأثير ذاته الذي تحدثه الكتابة العظيمة في متلقيها، فالكتابة قادرة على منح القارئ شعورا بالفرح والسعادة، أو القلق والخوف والتعاسة، بل إنها قادرة على توقيف ضربات القلب، أو إحداث هيجان أو عنف أو حتى الدفع إلى الانتحار أو تغير مسارات الحياة كلها، مثل الكتب الدينية أو السياسية أو تلك التي نادت بأفكار وطرح مذاهب، فكل ما أثر بالناس جاء من وليد كتابة عنفوانية عرفت كيف تستغل طاقات اللغة المؤثرة الحية وعرفت كيف تجاور فيما بينها لتحدث تأثيرها المطلوب.فهل هناك من يدعي أن لغتنا العربية لغة ميتة مندثرة؟أظن أن العيب آت ممن لا يعرف كيف يخرج من لغتنا قيمتها وسحرها وروعة جوهرها.