مطالبة النائب محمد هايف لوزير الأوقاف جمال الشهاب بمراقبة الحسينيات الشيعية أسوة بالمساجد السنّية أو إلغاء الرقابة عن الجميع، ومن ثم تهديده بصعود منصة الاستجواب إن لم يُستجب لمطالباته، وما كان من ردة فعل غريبة من الوزير الشهاب الذي بدا مرتعباً من فكرة صعوده المنصة لينصاع في وقت قياسي لمطالب النائب، ويقوم بنسف ما تقوم به الوزارة من رقابة على المساجد وتسجيل لخطبها منذ 18 سنة لأسباب معروفة ومفهومة للجميع، منذ أن صدرت قرارات "عاقلة" تمنع استغلال المنابر في إثارة الفتن وتحويل المساجد من دور للعبادة إلى أماكن تبث فيها الأفكار المتطرفة والإرهابية، وتثار فيها النعرات الطائفية من قبل بعض الخطباء الذين يفتقرون لأدنى درجات الفهم والكياسة... و"الركادة"!
أقول إن تلويح النائب بالاستجواب واستجابة الوزير في وقت قياسي لمطالبه تثيران أكثر من علامة استفهام حول علاقة هذا المجلس "المتنمر" بهذه الحكومة الخائفة والخاضعة لتسلط الأغلبية "الملتحية" في المجلس، حكومة تمشي "جنب الحيط" ولا تريد سوى الستر، وليس لديها القدرة على مواجهة أحد حتى في أبسط القضايا، وإذا كان المجلس السابق انبطاحياً، فإننا اليوم أمام حكومة انبطاحية وبامتياز!والحقيقة أن ما قام به وزير الأوقاف خطير للغاية، خصوصاً في هذا التوقيت المشحون طائفياً من قبل نواب وكتاب وإعلاميين كرسوا كل جهودهم لإشغالنا بتوافه صراعاتهم التي لا تثمر سوى الكراهية والأحقاد في مجتمع صغير كمجتمعنا، وإلى الآن لم أجد سبباً لهذا الخوف غير المبرر من قبل الوزير، فقد صرح عدد من مسؤولي الوزارة بأن "وزارة الأوقاف غير معنية بالرقابة على الحسينيات، وأن مرسوم وزارة الأوقاف والقوانين المنظمة لعملها لا تعطيها الحق أبداً في إصدار قرار بالرقابة عليها وأنها ليست دور عبادة بل مجالس لا تسري عليها رقابة الوزارة"، فإن كان الأمر كذلك، فما أسهل أن يواجه الوزير النائب المستجوب بهذه الحقيقة التي توضح بأن الأمر لا يعنيه من قريب ولا من بعيد، وأن على النائب توجيه أسئلته لوزراء آخرين معنيين بالأمر أكثر منه!أما إن كانت الوزارة معنية بالفعل برقابة الحسينيات، فالأولى بالوزير أن يتخذ قرارات معاكسة لما اتخذه، وأن يتعامل مع الجميع بمسطرة واحدة ويبحث عما فيه المصلحة العامة، وأن يفرض رقابة الوزارة على الحسينيات أيضاً، فكما أن هناك في الطائفة السنّية متطرفين، فإن هناك أيضا على الجانب الآخر متطرفين شيعة أيضاً، بل إن الحسينيات تستضيف بين فترة وأخرى رجال دين شيعة، يأتون من بلدان مجاورة ليقولوا فيها ما يشاؤون، وبعض ما يقال قد لا يسر أبداً، ولذلك، فالرقابة على الحسينيات مستحقة كما هي الرقابة على المساجد السنّية، ومع أننا نعارض وبشدة منع أي إنسان من التعبير عن رأيه في أي شأن ديني أو سياسي أو اجتماعي، لكن التجارب علمتنا أن معظم ما يتفوه به المتشددون على هذه المنابر- من الجانبين- يندرج تحت بند خطابات الكراهية والحث على عداء الآخر واحتقاره وقمعه، ومعظم هؤلاء المتطرفين لو لم يتفوه بهذه الحماقات الطائفية فلن يجد لفمه عملاً غير تناول الطعام والشراب، فحماقاته هي محور حياته!أقول في كل الأحوال كان بإمكان الوزير الشهاب مواجهة استجواب ضعيف وغير مستحق لو تصرف بعيداً عن الخوف، ووثق بنفسه وقدراته، لكن المشكلة أن الوزير كما أشرنا ينتمي إلى حكومة مرتعدة بأكملها، خضعت لأغلبية دكتاتورية قررت بالإضافة إلى كونها جهة تشريعية، أن تتولى مهام الجهة التنفيذية التي سلمت لهم الخيط والمخيط ليفعلوا ما يشاؤون، وهي ترتعش خوفا من أي تلويح باستجواب من قبلهم، وعن قريب ستختفي كل سلطات هذه الحكومة، وتردد كما يردد ذلك الظريف المصري الذي تنتشر كليباته على اليوتيوب "أنا اختفيت... أنا اختفيت"!
مقالات
أنا اختفيت... أنا اختفيت !
10-04-2012