محطات في حياة وردة الغناء العربي
لم تكن وردة مجرد مطربة عادية، فمنذ أن كانت فتاة صغيرة، كانت تحلم بأن تغير العالم بصوتها القادم من أحضان الجزائر، ما يُفسر رفضها أن تظل حبيسة في أغنيات الكبار، خصوصاً أغنيات سيدة الغناء العربي أم كلثوم، بل ظلت حريصة على مذاقها الخاص، الذي عكس تجربة موسيقية مهمة في تاريخ الغناء العربي.رفضت وردة أن تكون استنساخاً من أخريات، منتظرة ذلك اليوم الذي سيغني لها فيه كبار المطربين المصريين والعرب، ليعيدوا تقديم أغنياتها، وقد كان، بعد عقود من الكفاح، صارت وردة أكثر مطربة غنى لها المطربون، الذين تجاوز عددهم 20 مطرباً بعد أن أصبحت أيقونة لا تُقارن بغيرها.
عاشت وردة تجربة غنائية مهمة، عاصرت خلالها العديد من الأحداث والمحطات، بعضها مبهج وبعضها مؤسف، حتى اكتملت التجربة، ومن أهم محطات هذه التجارب، تلك التي فيها طلب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أن يتم إضافة «كوبليه» خاص بوردة في أوبريت «وطني الأكبر».ورغم اعتزال وردة للغناء، فإن الرئيس الجزائري هواري بومدين طلبها للغناء في عيد الاستقلال العاشر للجزائر، وهو ما جعلها تلبي الدعوة، ومن ثم تواصل ما انقطع في تجربتها خصوصاً بعد زواجها من الراحل بليغ حمدي، وكانت أغنية «أوقاتي بتحلو» هي الانطلاقة الحقيقية لوردة في عالم الغناء، وذلك في عام 1979 رغم أن الأغنية كان من المفترض أن تقوم أم كلثوم بغنائها في عام 1975، ولكن وفاة أم كلثوم جعل الأغنية التي يمتلكها سيد مكاوي تكون من نصيب وردة بعد أن لعب القدر لعبته في حياتها الفنية.كما قدمت بصحبة صلاح الشرنوبي واحدة من أورع أغنياتها هي «بتونس بيك».الموسيقار الكبير محمد سلطان يرى أن تجربة وردة الغنائية لا تنفصل عن تجربتها الإنسانية، فلقد كانت صاحبة شخصية في الألحان التي تقدمها، تفرض صوتها على اللحن والكلمات بتعبير أدق توحي للملحن بما يمكن أن يقدمه مستخدماً كل تفاصيل صوتها من شجن وقوة وشموخ.آخر عمل قدماه معاً كان أغنية «شمس وبحر ونسمة شقية»، أما أول أغنية قدمتها مع سلطات فكانت في فيلمها الأخير «ليه يا دنيا»، وعلى غير المشاع كانت تربطها بمنافستها الراحلة فايزة أحمد وزوجة سلطان علاقة صداقة، وكانت تحب أن تغني لهما أغنية «خليكوا شاهدين» وتدندنها مع فايزة في منزلها. الملحن حلمي بكر أكد أن نجومية وردة لم تأتِ من فراغ، فتجربتها الغنائية من التجارب التي ينبغي أن تدرس في الكتب والمعاهد والكليات، فقد كانت تجربة غنائية شبه مكتملة ولها بصمة فنية مميزة ومختلفة عن باقي التجارب.الموسيقار هاني مهنا يرى أنها هرم من أهرامات الغناء مثلها مثل عبدالحليم حافظ وأم كلثوم، فقد قدمت العديد من الأعمال التي أثرت في حياتنا الفنية، مؤكداً أنها ليست ملكاً للجزائر، ولكنها ملك للوطن العربي كله، وأنها ستظل باقية بما قدمته من أغنيات على مدار سنوات طويلة.ويكمل مهنا قائلا «تقييم أي تجربة غنائية لأي فنان عادة ما يكون من خلال عدة نقاط، منها حصر عدد العلامات الفنية المميزة في حياة الفنان، ولا يوجد أكثر من العلامات المميزة في مشوار أميرة الغناء العربي الراحلة وردة، لذا فقد كانت تجربة غنائية من العيار الثقيل بحق».الفنان فاروق الشرنوبي يرى أن صوتها لم يكن قوياً مميزاً ومختلفاً فحسب، ولكنه كان «طيعا»، ما يترك للملحن فرصة لأن يصولويجول ويبتكر بحرية، مؤمناً بقدرتها على تجسيد اللحن بصوتها كما يجب أن يكون، مشيراً إلى أن الراحل بليغ حمدي بما يمتلكه من موهبة وقدرة على ابتكار أشكال موسيقية مختلفة، يعد أكثر من نجح في اكتشاف صوتها، بل إعادة اكتشافه في كل لحن، لذا فإن تجربتها معه هي الأبرز في مشوارها الفني والأكثر نضوجاً أيضاً.نفس المقولات يؤكدها الملحن أحمد إسماعيل، مشيراً إلى أن تجربة وردة وبليغ هي الأكثر نضوجاً وثراء، ربما لكون بليغ أكثر من تفهم صوتها، وربما لموهبته الفذة كملحن وقدرته على تقديم الجديد.إسماعيل يرى أن تجربة وردة وصلاح الشرنوبي كانت هي الأخرى إعادة اكتشاف لها، أو بتعبير أدق نجح عبر ما قدمه معها من أغنيات في التواصل مع أجيال جديدة.الموسيقار هاني شنودة هو الآخر يثني على تجربة وردة مع بليغ حمدي بوصفها الأبرز في مشوارها، ولكنه يرجع قدرتها على الحفاظ على مكانتها لذكائها الفني ومعرفتها بحدود موهبتها، إضافة إلى عشقها للمغامرة، ومن ثم نجحت في أن تتربع على القمة سنوات طويلة، تاركة برحيلها فراغاً كبيراً.