كنت شاهداً على الدورة الأولى لمهرجان «الشرق الأوسط السينمائي الدولي» عام 2007، الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، قبل أن يتحول اسمه إلى مهرجان «أبو ظبي السينمائي»، عندما منحت مجلة «فاريتي» السينمائية الأميركية «جائزة أفضل مخرج في الشرق الأوسط» إلى المخرجة اللبنانية نادين لبكي عن عام 2007!

Ad

يومها أثارت الجائزة جدلاً ولغطاً شديدين، لأن أحداً لم يعرف القواعد التي تحكم الجائزة، التي تحمل اسماً كبيراً «أفضل مخرج في الشرق الأوسط» أو المعايير التي مُنحت لبكي الجائزة على أساسها، وهي التي عُرفت كمخرجة للأغنيات المصورة بطريقة «الفيديو كليب»، وفيلمها «سكر بنات» الذي أهداها الجائزة الكبيرة في عنوانها هو أول أفلامها، بينما تجاهلت الجائزة مخرجين كُثر في الشرق الأوسط أفضل منها موهبة وحرفية وأكثر خبرة!

استمر الجدل ما بعد انتهاء المهرجان، لكن أحداً لم يتساءل عن السر وراء تبني مهرجان «الشرق الأوسط» للجائزة الغامضة ظناً من الجميع أنها جائزة «عشوائية»، وستختفي بعد الدورة الأولى، لأنها تفتقر إلى المقومات الموضوعية التي تجعل منها جائزة سنوية بل تبدو «إعلانية» أو «دعائية» أكثر منها «نقدية» أو «أكاديمية»!

لكن الجائزة انتظمت بصورة عجيبة، في الدورات المتعاقبة للمهرجان، وذهبت،لأسباب وحيثيات غير مُعلنة إلى الأردني أمين مطالقة،والفلسطيني إيليا سليمان والعراقي محمد الدراجي والإيراني أصغر فرهادي، حتى استقرت في الدورة السادسة عند المخرج المصري يسري نصر الله، ولحظتها بدأت الهمسات تخرج إلى العلن، وتجددت التساؤلات عما إذا كانت هناك لائحة تحكم الجائزة أم تخضع للمزاج الشخصي، وللتوجهات السياسية المجهولة!

المفارقة المُدهشة أن الجائزة ذهبت إلى المخرج الفلسطيني إيليا سليمان صاحب أفلام «سجل اختفاء»( 1996)، «يد إلهية» (2002) و{الزمن الباقي» (2009)، الذي قدم من خلاله سيرته الذاتية، والمخرج المصري يسري نصر الله، الذي أنجز أفلام: «سرقات صيفية»(1988)، «مرسيدس» (1993)، «المدينة» (1999)، «باب الشمس» (2004)، «حديقة الأسماك»(2008)»، {احكي ياشهر زاد»(2009) و{بعد الموقعة» (2012)، والإيراني أصغر فرهاردي صاحب أفلام: «الرقص في الغبار»(2003)، «المدينة الجميلة» (2004)، «الأربعاء الأخير»(2006)، «عن إلى» (2009) و{انفصال نادر عن سيمين»(2011)، الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، ومن قبلها بجوائز: «الدب الذهبي» من مهرجان برلين، و{الغولدن غلوب» الأميركية و{بافتا» البريطانية و{سيزار» الفرنسية، بالقدر نفسه الذي ذهبت فيه إلى مخرجين يخوضون تجربة إخراج الأفلام الروائية الطويلة للمرة الأولى، كما حدث مع الأردني أمين مطالقة صاحب «كابتن أبو رائد» (2007) والعراقي محمد الدراجي صاحب «ابن بابل»(2009)، وهو ما يعكس بشكل قاطع وجازم غياب المعايير، وانعدام الشفافية والمصداقية معاً!

ما الذي يجمع بين سليمان ونصر الله وفرهاردي من جهة ومطالقة والدراجي من جهة أخرى؟

لا شيء سوى أنهم جميعاً يمارسون مهنة الإخراج، وأنهم ينتمون إلى منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم فإن حصولهم على جائزة واحدة فيه ظلم لهم جميعاً، وهو ما كان يفرض على مخرجين كبار مثل سليمان ونصر الله وفرهاردي الاعتذار عنها من دون تردد، بدلاً من الموافقة التي تسيء إليهم، كونها تعني تهافتهم على أية جائزة مهما كان عائدها المعنوي ضعيفاً؛ إذ إن أحداً لا يعرف إن كانت الجائزة مدعومة بعائد مادي مغر إلى هذا الحد أم لا!

 «جائزة أفضل مخرج في الشرق الأوسط» عنوان كبير لجائزة صغيرة ومتواضعة، كان ينبغي أن يُطلق عليها «جائزة أفضل مخرج شاب» على أكثر تقدير، ووقتها كان يمكن أن تحظى بتشجيع ودعم الأوساط السينمائية والنقدية، وامتنان أكبر لمجلة «فارايتي» الأميركية، التي يعود إصدارها إلى 107 سنوات مضت، وتُعد مرجعاً لصناعة الأفلام في العالم، وبيعت أخيراً إلى شركة «بينسكي ميديا كوب» المتخصصة في المواقع الفنية على شبكة الإنترنت مقابل مبلغ قيل إنه يُقدر بـ25 مليون دولار، بعدما انخفضت أرباحها، وتراجعت عائداتها، خلال السنوات الأخيرة، من 33 مليون دولار أرباح عام 2006 من إجمالي عائدات بلغت 92 مليون دولار إلى 6 ملايين دولار أرباح من إجمالي عائدات بلغت 45 مليون دولار!

 الأمر المؤكد إذاً أن «جائزة أفضل مخرج في الشرق الأوسط» لا تستحق الضجة التي تُثار حول الفائز بها، لكنها تستحق تدخلاً سريعاً من إدارة مهرجان «أبو ظبي السينمائي»، بحيث تراجع لائحتها، إن تواجدت لائحة، وتراجع القواعد والمعايير التي تُمنح على أساسها، ثم تضع الضوابط التي تُضفي عليها مصدقية، ومن دون الشروع في هذه الخطوات فإن حجبها أفضل للحفاظ على سمعة المهرجان، ومجلة «فارايتي»... وسمعة الذين يفوزون بها!