«حشو» في هامش الرقابة
العقلية المستريبة التي طالما انتفضت في الماضي واعتقلت الراحل د. أحمد البغدادي، ليتم سجنه والتنديد بأفكاره في محاكمة بائسة الحجة، والتي حاسبت د. شملان العيسى على دردشة صحفية! ها هي تنتعش من جديد لتمنع بدرية البشر من دخول الكويت وتتلف لوحات هند الغامدي وتخفي منحوتات سامي محمد عن العيون، في محاولات بائسة لمصادرة الفكر.
أتلفت لوحات هند الغامدي على يد عميد الكلية التي تدرس فيها في السعودية قبل يومين، راكمها في زاوية مع رسالة تطلب الغفران. ومنعت د. بدرية البشر من دخول الكويت؛ آلية التفتيش التي استوقفت فكرها حسمت موضوع الرفض بأمر "التحفظات الأمنية من دون وجود ضرورة تهمة رسمية معينة موجهة ضدها"، وبالأريحية التي تبخترت فيها عارضة الجسد كيم كارداشيان في صالة التشريفات، مع وجود ضرورة حماية شخصية "رسمية" معها! وقبلها منعت د. مضاوي الرشيد لأنها اقتحمت الشؤون السياسية من أعتى حصونها.
د. شروق أمين، لم تكن أوفر حظاً؛ أحيط معرضها التشكيلي بالشريط الأحمر، بهيئة اكتشاف جريمة قتل كاملة، تحفظت عليها رقابة تشبه "الأدلة الجنائية"، رغم أن اللوحات كانت ناطقة ومفعمة بالحياة..ما حدث تماما لأبحاث د.عالية شعيب وفنها.. وهو ارتياب عقلية المفتش نفسها التي جزعت أمام منحوتات سامي محمد، الفنان الذي أبكى ضمائر العالم أمام قضايا الإنسان، والتي رغم تعقيدها كانت طوع أصابعه. العقلية المستريبة تنتفض أيضاً، اعتقلت الراحل د. أحمد البغدادي، ليتم سجنه والتنديد بأفكاره بمحاكمة بائسة الحجة لن تنساه جموع العزاء اللائذة بكتبه ومقالاته، وهي التي حاسبت د. شملان العيسى على دردشة صحفية! ومتحررة من سياق الاتهام؛ قدمت د. نجمة إدريس استقالتها بعنوان "عاقلة من زمن مجنون" غير آسفة على جامعة يفتش البعض فيها أوراق الأساتذة ليفرزوا الشرعي منها وغير الشرعي وفق منهج ثقافة شخصية، ليشككوا في طرحها وآراء الشاعر د. خليفة الوقيان التي كانت موضوعها. ومثلها واقعية إسماعيل فهد إسماعيل التي صفعت مثالية الرقيب، كان صريحاً في وقت يطلب المواراة تحت التراب، وجرأة ليلى العثمان التي استشاطت أمامها أعراف رمال الحمأ المسنون غضبا ًلتحاكمها وفوزية شويش السالم لأنها تكتب بصمت وتأمل قارئا حقيقيا، وتجاوز د. وليد الرجيب التدوين المقنن للتحليل النفسي في الأدب، ود. سليمان الشطي في اختياراته، وأحمد شهاب الذي فاز بجائزة الدولة عن كتابه الممنوع قسراً من معرض الكتاب، ومنه مؤلفات الشاعرين وديع سعادة وعدنان الصائغ رغم السماح بإقامة أمسيتيهما في الكويت، وميس خالد العثمان ومحمد هشام المغربي ويوسف ذياب خليفة الذين شدت الرقابة ما بقي من "شعرها" بسبب لم يتجاوز كثيرا عناوين مؤلفاتهم! ..وغيرهم وغيرهم.. ما علاقة الحدث الأول الذي ذكرته مفتتح المقال في السعودية بما تلاه في الكويت؟ أن الركام الذي خلفته عملية التخريب ذكرني بالمقابر الجماعية المقامة هنا، تلك التي لم أذكر فيها قتلاً آخر لفرحة الشاعرة سعدية مفرح التي دعيت لتكريمها مراراً خارج الوطن ولم تتمكن من تلبية الدعوة ممنوعة أيضاً كما غيرها من الأدباء والمبدعين، لأن السبب ليس قيد الرقابة، بل قيد "المواطنة" الذي لم يعترف بهم. وأما سرد ذلك كله دفعة واحدة، فليس حشو الفراغ بتلك الأحداث المعروفة في تاريخ الرقابة، فهي حديثة بالنسبة إلى ما سبقها؛ وإنما تهنئة الجهاز الوصي على عقول "الرعية" لأدائه المهمة كما يجب، ولتجاوزه الأرشيف وقدرته على نقش اسمه في "لوحة الشرف" المصون... تماماً كما تنقش أدعية الرحمة للموتى عند بوابة المقبرة وشواهد القبور.