بعد مهرجان الخطابات التي شهدتها أروقة وقاعات الجامعة العربية، والتي تُذكّر مَن أصبحت رؤوسهم مشتعلة شيباً بعهود وأزمنةٍ مضت، ألقى خلالها فرسان الكلام من العرب بالإسرائيليين لتأكلهم أسماك البحر المتوسط أكثر من مرة، لابد من وقفة مع الحقيقة، ولابد من التساؤل عما يمكن فعله، عربياً وفلسطينياً، كي لا تشهد غزة مذابح مجانية جديدة كتلك التي شهدتها في هذه الجولة الأخيرة، وفي عامي 2008 و2009 وبدون أن تكون هناك دروس مستفادة.
إن أسوأ ما جرى في الأيام الأخيرة هو أن بعض الذين بادروا إلى احتضان المأساة، وإن بالكلام والإرغاء والإزباد وبالاستعراضات الإعلامية والتلفزيونية، قد تعاملوا مع الأمر على أساس أنه قضية تهم الإخوان المسلمين وحدهم، وكأن قطاع غزة ليس جزءاً من فلسطين، وكأن هذه المسألة ليست جزءاً من القضية الفلسطينية، وكأن محمود عباس (أبومازن) ليس رئيس منظمة التحرير التي هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وليس رئيس السلطة الوطنية التي هي الدولة الفلسطينية.بدلاً من كل هذه الاستعراضات "الإخوانية" كان يجب أن يُصرَّ الأمين العام للجامعة العربية، وأن يُصرَّ الرئيس المصري على أن تتحول هذه المناسبة إلى إعادة توحيد الفلسطينيين من خلال المواجهة، ومن خلال المعركة، وأن يصر محمد مرسي، ومن يرغب من الرؤساء العرب ووزراء الخارجية الذين حضروا اجتماع مجلس الجامعة العربية الأخير، على اصطحاب "أبومازن" في زيارة عاجلة وطارئة لقطاع غزة لاستعادة الوحدة الفلسطينية التي هي سلاح الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة المصيرية والحاسمة، وللانتهاء من هذا الانقسام المعيب وغير المبرر إطلاقاً، والذي لم يستفد منه سوى إسرائيل وأصحاب الأجندات الإقليمية الذين لا يهمهم ما يسيل من دماء الفلسطينيين بل خدمة هذه الأجندات وخدمة مشاريعهم الشرق أوسطية.بعد وقف "العدوان الإسرائيلي" يجب الالتفات مباشرة إلى خطوات الوحدة الوطنية الفلسطينية، وانطلاقاً من غزة وعلى أساس أن (أبومازن) قد عاد إليها باعتبارها جزءاً من الوطن الفلسطيني مثلها مثل رام الله، وأيضاً مثلها مثل القدس، وهذا يقتضي أن يتخلى الإخوان المسلمون، وبخاصة في الدول التي وصلوا فيها إلى الحكم، عن تعاملهم التنظيمي والاستحواذي مع القضية الفلسطينية، وألا يعتبروا أن حركة "حماس" هي شعب فلسطين، بل على اعتبار أن هذه هي قضية العرب الاستراتيجية الأولى كما يُفترَض، وأنه لا قضية أهم منها.بعد وضع حد للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وبعد إفهام "حماس" مدى ما يعانيه الشعب الفلسطيني، وما تعانيه القضية الفلسطينية من تحويل قطاع غزة إلى مسرح لتصفية الحسابات الإقليمية في ظل هذا التناحر المحتدم في هذه المنطقة الشرق أوسطية، فإنه يجب حشد كل الجهود العربية في اتجاه المعركة التي قررت منظمة التحرير وقررت السلطة الوطنية خوضها في التاسع والعشرين من هذا الشهر في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لضمان الاعتراف للشعب الفلسطيني بدولة "محتلة" على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967... إن هذا هو الرد الحقيقي على العربدة الإسرائيلية، وهذا هو أكبر إنجاز يمكن تحقيقه في هذه المرحلة، أما العودة إلى شعارات "تجوَّع ياسمك" وإلى "القاهر والظافر" فهي عودة إلى ماضٍ بائس هو الذي أورث هذه الأجيال احتلال فلسطين كلها من البحر إلى النهر، وفوقها هضبة الجولان السورية، وأيضاً مزارع شبعا حتى لا يغضب أشقاؤنا اللبنانيون!!
أخر كلام
ما بعد وقف «العُدوان»!
20-11-2012